متى بدأ التقويم الهجرى ؟

117408881 297343494702129 8896149755305021499 n

بقلم الداعية الإسلامية بهيرة خيرالله

⁦متى بدأ التقويم الهجرى ؟

  • كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من جعل من هجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم بداية للتأريخ الإسلامى ، وذلك فى شهر ربيع الأول عام 16 هـ من خلافته ، وقد كان العرب يؤرخون بالأحداث الكبرى مثل : عام الفيل – عام إعادة بناء الكعبة – عام حلف الفضول – عام سيل العرم – عام نزول القرآن … إلخ .

كذلك بعد مجئ الإسلام استمر العرب والمسلمون فترة من الزمن على ما اعتادوا عليه من التأريخ بالأحداث الهامة ، واستمر ذلك بعد هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم إلى المدينة ، فعُرِفت السنوات الأولى من الهجرة وحتى وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم بأسماء أشهر الأحداث التى وقعت فيها .

وهذه الطريقة فى التأريخ قد تنفع الأفراد أو حتى المجتمعات القبلية فى تَذَّكُر أحداث هامة فى حياتهم ، ولكنها لا تنفع فى معاملات الدول لكثرة ما يقع من أحداث خلال العام الواحد بل اليوم الواحد .

  • لذا فإن أمير المؤمنين عمربن الخطاب رضي الله عنه عندما توسع فى الفتوحات الإسلامية وأرسى قواعد دولة عظمى خلال فترة ولايته التى استمرت عشر سنوات [ 13 – 23 هـ ] ، وكان له عُمالٌ فى أرجاء الدولة ، وكانت بينهم وبينه مخاطبات لإدارة شئون المسلمين ، رأى أن المسلمين فى حاجة إلى توقيت ثابت يرتبط بحدث جليل من أحداث الإسلام العظمى ، فإنه لا يصح أن يرتكن المسلمون إلى التقويم القبطى أو الرومانى أو السريانى ، وذلك لتمييز الشخصية المسلمة . فقد كتب الصحابى الجليل “أبو موسى الأشعرى” إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتاباً يقول فيه : ( أنه يأتينا منك كتابٌ ليس له تاريخ ) ؛ فجمع عمر الناس يستطلع رأيهم فيما يكون به التأريخ ، فطُرحت بدائل منها : مولد الرسول حباً فيه ، لكنه لم يؤخذ به خشية أن يظن البعض أنه دين محمد . وطرح رأى بالأخذ بتاريخ وفاته صلي الله عليه وسلم ..لا فهذه ذكرى أليمة تُذِّكر المسلم بحدثٍ مؤلم وهو فقدان الحبيب وخاصةً لمن عاصروه ، وإن كان من تقدير الله عز وجل أن يكون تاريخ ميلاد المصطفي هو تاريخ وفاته فى 12 ربيع الأول !. وقال بعضهم : أرِّخ بالبعثة ، وقال آخرون : أرِّخ بالهجرة .
    فقال عمر : ” الهجرة فرَّقت بين الحق والباطل” ، وهذا باعتبارها أعظم أحداث الإسلام التى تحقق بعدها عزة الإسلام ، وبدء إنشاء الدولة الإسلامية ، وإرساء دعائم المجتمع الإسلامى ، وانتشار الإسلام وانتقاله من نصر إلى نصر ، ومن قوة إلى قوة ؛ فأرَّخوا بها متوافقة مع أشهر السنة القمرية التي تقوم عليها أغلب العبادات فى الإسلام من صيام وزكاة وحج، ومعاملات مثل عدة الطلاق وعدة الحمل وغيرها ؛ فاصاب بهذا خيري الدين والدنيا ، من ربط بالعبادة والكرامة والتمييز لأمة الإسلام .
  • هذا ونلاحظ أن الهجرة كانت فى ربيع الأول من السنة الرابعة عشر من البعثة ، ولكن التقويم الهجرى بدأ مع بداية السنة القمرية من شهر المحرم ؛ كما درج عليه الناس منذ بدء الخليقة ، وكما جاء فى قوله تعالى :{ إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهَِ اثّْنَا عَشَرَ شَهْراً فِى كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ }[ التوبة : 36 ] وهى معروفة بأسمائها العربية : محرم – صـفر- ربيع أول – ربيع آخر- جمادى أولى – جمادى آخرة – رجب – شعبان – رمضان – شوال – ذو القعدة – ذو الحجة ؛ فلو احتسبت الأشهر العشر المتبقية من السنة القمرية من ربيع أول حتى ذو الحجة فهذا ما يقابل عام 622 م ، أما إذا احتسب التقويم الهجرى من أول مُحرم التالى فهو ما يقابل عام 623 م ؛ وهذا ما قد يلمحه القارئ فى التاريخ الإسلامي من اختلاف بداية التأريخ الهجري .
  • هذا وتتخذ بعض البلدان الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية والمغرب التقويم الهجري كتقويم رسمي للمكاتبات والمناسبات الرسمية ؛ بينما ألغت تركيا التأريخ الإسلامى واستبدلته بالميلادى مع مجئ ” مصطفى كمال أتاتورك ” سنة 1926 م المقابل لعام 1344هـ .
    هذا وقد حرص الاستعمار الغربي على أن يمحو من ذاكرة الأمة الإسلامية تاريخها ، ويقطع الصلة بينها وبين وحضارتها ، لذلك عاد إلى التأريخ الميلادى محل الإسلامى ، أو على الأقل أن يؤرخ للأحداث بالتاريخين معاً ، وقد طُبق هذا فى سوريا ولبنان والأردن والعراق مع الإنتداب الإنجليزى ، وطُبق فى مصر سنة 1872 م المقابل لعام 1288 هـ فى ظل حملة التغريب وفقدان الهوية التى عاشتها هذه البلدان . ومع انتهاء الاحتلال الانجليزي أعادت مصر التعامل بالعام الهجرى بجانب العام الميلادى المبني علي التقويم الشمسي إذ جعل الله الشمس والقمر حسبانا وأداتين لحساب السنين والشهور ، وكذا لمواكبة التعامل الدولي .
  • جزى الله عمر رضي الله عن أمة الإسلام خير الجزاء فيما كان منه بالتأريخ الإسلامي ، فقد قُدِّمَ المنهج على الشخص ، والرِّسالة على الرسول ؛ وقد صدق النبى صلي الله عليه وسلم حين قال : ( إنَّ اللهً جعلَ الحقَّ على لسانِ عُمرَ وقلبه ) ..