بقلم / سحر عبد العاطى.
عندما تولى السلطان صلاح الدين الأيوبى حكم مصر شرع فى بناء قلعة الجبل سنة 572هـ / 1176م ، وتم بناؤها فى عهد الملك الكامل بن العادل سنة 614هـ / 1207 – 1208م واتخذها مقراً للحكم ومركز للسلطة ، إستمرت كذلك إلى عهد الخديوى إسماعيل حيث إتخذ قصر عابدين مقراً للملك.
وعندما تولى محمد على باشا حكم مصر فقام بإصلاح أسوار القلعة وأنشأ بداخلها قصوراً للحريم والكشك ( المعروف بسراى الجوهرة ) وديوانى الجهادية والمدارس ، كما قام بإنشاء دار لضرب النقود ، ودار الطباعة ، ومصانع الأسلحة وصب المدافع ومعدات الفرسان والمشاه ، وأنشأ أيضاً دار المحفوظات بجوارها.
وبعد أن أتم إصلاحاته بالقلعة وإنتهى من إقامة هذه المنشآت آراد إنشاء مسجداً له يؤدى فيه هو وموظفوا حكومته الفرائض الدينية وإلحاق مدفن له به .
فإختار قسم من القصر الأبلق الذى أنشاؤه الناصر محمد بن قلاوون سنة 714ه لبناء المسجد . وقام بوضع أساسه سنة 1246هـ / 1830م وأسند تشيده للمهندس يوسف بوشنا من القسطنطينية ، فقام ببناء المسجد بالحجارة الضخمة وقد إقتبس تصميمه من مسجد السلطان أحمد وهو على الطراز التركى. توفى محمد على سنة 1265هـ / 1848م بعد أن أكمل بناء الأسوار والقباب والمناراتان والكتابات التى تعلو النوافذ من الداخل والخارج ، وكذلك أعمال الرخام
بالواجهات إلى الباب القبلى ، ودفن فى المقبرة التى أعدها لنفسه فى الزاوية الغربية القبلية من المسجد.
ثم قام الخديوى عباس الأول بفرش أرضيته بالرخام ، وعمل السلاسل النحاسية لتعليق أدوات الإضاءة ، ووضع بالقبة الكبيرة نجفة من البلور النفيس بها 72 فينار بالإضافة إلى عدة نجفات أصغر فى أماكن متفرقة من المسجد، كما وضع على المقبرة سترة من القطيفة المشغولة بالقصب المذهب وعمل مقصورة من النحاس الأصفر، وزود المسجد بعدد من المصاحف المحلاه بالذهب . وعين عدد من الموظفين للحفاظ على المسجد وإدارة شئونه كما جعل له إمامان واحد حنفى المذهب والآخر شافعى وخطيب ومدرس للحديث ، وخصص وقفية للصرف على تعمير المسجد والصرف عليه ودفع المرتبات .
وعندما تولى محمد سعيد باشا حكم مصر سنة 1270ه / 1854م قام بطلاء المقصورة ثم أوقف على المسجد أطياناً زراعية بالوجهين القبلى والبحرى خصص ريعها لأعمال البر وتعمير المسجد.
وفى سنة 1280ه / 1863م قام الخديوى اسماعيل بتجديد أبواب المسجد وبناء دورة المياه بجواره ، كما أحاطه بسور من الحجر يعلوه درابزين من الخشب. ويتميز هذا المسجد بأنه مربع الشكل طول ضلعه من الداخل 41 متراً يتوسطه قبة مرتفعة يبلغ إرتفاعها 52 متراً من مستوى أرضية المسجد محمولة على أربعة عقود كبيرة إرتكزت أطرافها على أربعة أكتاف مربعة يحيط بها أربعة أنصاف قباب فى كل
جهة نصف قبة ، ويوجد أربع قباب أخرى صغيرة بأركان المسجد ونصف قبة أخرى تغطى بروز القبلة من الناحية الشرقية.
كسيت جدرانه من الداخل والخارج بالرخام وكذلك الأكتاف والأعمدة ، ويعلو الكسوة من الداخل بياض زين بنقوش مختلفة ذات ألوان يتخللها التذهيب فى أماكن متفرقة ، أما القباب وأنصاف القباب فقد زينت بزخارف بارزة منقوشة ومذهبة ، ويوجد منبر على يمين مدخل القبلة مصنوع من الخشب المشتمل على زخارف بارزة محلاه بالذهب الخالص .
وللمسجد ثلاث أبواب ؛ باب فى وسط الجانب البحرى ، والثانى فى وسط الجانب القبلى ، والثالث فى وسط الجانب الغربى ينفذ إلى الصحن وهو عبارة عن فناء كبير يحيط به أربعة أروقة ذات عقود محمولة على أعمدة كلها من الرخام ومسقوفة بقباب صغيرة منقوشة من الداخل ، ويوجد فى وسط الصحن قبة زينت من الداخل بنقوش مختلفة الألوان قائمة على ثمانية عقود مرتكزة على أعمدة رخامية يعلوها رفرف من الخشب المحلىَّ بالزخارف البارزة المطلية بالذهب ، ويوجد تحت هذه القبة قبة أخرى صغيرة قائمة على قاعدة ثمانية أضلاع بها صنابير للوضوء ، وجميع القباب وأنصاف القباب غطت من أعلاها بألواح من الرصاص .
ويوجد مئذنتان بإرتفاع 84 متر من مستوى أرضية المسجد فى الطرف الغربى له ، كما يوجد فى الرواق الغربى للصحن برج من النحاس والزجاج الملون بداخله الساعة الدقاقة التى أهديت إلى محمد على من ملك فرنسا لويس فيليب سنة 1262ه / 1845م .
وقد حدث خلل فى المسجد فى أواخر القرن التاسع عشر بسبب ضعف الأجزاء التى تقوم بأخذ وتوزيع الأحمال فى المبنى كالعقود والأكتاف الحاملة لها فتم القيام بترميم شامل له؛ حيث تم هدم القباب والأعمدة وأعيد بناؤها بشكل سليم كما أعيدت النقوش والزخارف وأعمال الرخام إلى ما كانت عليه قبل الهدم، فقد أخذت قطع من الزخارف القديمة المنقوشة والمذهبة من جهات متفرقة من المسجد وتم الإحتفاظ بها إلى الإنتهاء من أعمال الهدم والبناء ثم أعيدت هذه القطع مكانها ، وإستمرت أعمال الترميم والهدم والبناء من سنة 1934م إلى سنة 1939م بتكلفة مائة ألف جنية مصرى.