من أين ابتديء الحديث

FB IMG 1600842331139

من أين ابتديء الحديث
بقلم مصطفى سبتة
تَصَرَّما ومدَّةَ لهوٍ قصَّرَتْها حبائبٌ
سُقِيتُ بها خمرَ الرُّضابِ مُخَتَّما
فأجريتُ مِن عينيَّ دمعاً مُوَرَّدا
فلم أدرِ ماءً ما تحدَّرَ أم دما
وأجَّجَ في قلبي الغرامُ لواعجاً
مِنَ الشوقِ يبعثنَ الزفيرَ المضرَّما
من أين ابتديء الحديث و ليلتي
تأبى على عيني مقاربة الوسن
من أين, و الاشواق تحلف انها
ستظل تسقيني التذكر و الشجن
من أين و الزمن السريع يمر بي
وجبينه بدم الرحيل قد احتقن
فمن اللفافة حين نولد بدؤنا
في رحلة العمر القصير إلى الكفن
تذكر عهد ماضيه فحن
فؤاد فيك مفتون معنى
يحن لذكريات غاليات
ولولا ذكرياتك ما تغنى
متى صفو الزمان يعود يوم
فيخبركم بصدق الود عنا
وكيف أساءت الأيام فين
وكيف تشفت الحساد منا
أَتَحذَرُ وَشكَ البَينِ أَم لَستَ تَحذَرُ
وَذو الحَذَرِ النَحريرُ قَد يَتَفَكَّرُ
وَلَستَ مُوَقّىً إِن حَذِرتَ قَضِيَّةً
وَلَيسَ مَعَ المِقدارِ يُكدي التَهَوُّرُ
تَذَكَّرتُ إِذ بانَ الخَليطُ زَمانَهُ
وَقَد يُسقِمُ المَرءَ الصَحيحَ التَذَكُّرُ
هَل في تَذَكُّرِ أَيّامِ الصِبا فَنَدُ
أَم هَل لِما فاتَ مِن أَيّامِهِ رِدَدُ
أَم هَل يُلامَنَّ باكٍ هاجَ عَبرَتَهُ
بِالحِجرِ إِذ شَفَّهُ الوَجدُ الَّذي يَجِدُ
أَمِن تَذَكُّرِ دَهرٍ غَير مَأمونُ
أَصبَحتَ مُكتَئِباً تَبكي كَمَحزونِ
يا صاح لا تذكر زَماناً قَد مَضى
رَغداً فَتَدعو العَيش أَن يَتنغَّصا
شيمُ الزَمان تَغيّر وَتَقلّب
فَلَكم أَطاع لَنا الزَمان وَكَم عَصى
تَذكُرُ كَم لَيلَةٍ لَهَونا في
ظِلِّها وَالزَمانُ نَضرُ
غابَ دُجاها وَأَيُّ لَيلٍ
يَدجو عَلَينا وَأَنتَ بَدرُ
صَدَفَت لُهَيّا قَلبِيَ المُستَهتِرِ
فَبَقيتُ نَهبَ صَبابَةٍ وَتَذَكُّرِ
غابَت نُجومُ السَعدِ يَومَ فِراقِها
وَأَساءَتِ الأَيّامُ فيها مَحضِري
في كُلِّ يَومٍ في فُؤادي وَقعَةٌ
لِلشَوقِ إِلّا أَنَّها لَم تُذكَرِ
إِنّي لآمُلُ أَن تَدنو وَإِن بَعُدَت
والشّيءُ يؤمَلُ أَن يَدنو وَإِن بَعُدا
شوقي إليكم مثل وجدي فيكم
أبدا يزيد حضرتم أو غبتم
والقلب أصبى ما يكون لوصلكم
والجسم أضنى والمدامع سجّم
كان الحنينُ إلى أشياء غامضةٍ
يَنْأَى ويَدْنُو،فلا النسيانُ يُقْصِيني،
ولا التذكُّرُ يدنيني من امرأة
إن مَسَّها قمرٌ صاحَتْ أَنا القَمَرُ
أطرقت في ضراعة تذكر اللــه
وفي صمتها يذوب النداء
ذات حسن جلت عن الحسن في
الأر ض وودت لو قبلتها السماء
طفلة كالنسيم لطفا وكالظل
على الزهر فاض منه الحياء
إذا التّذَكُّرُ أغرَتْني خَيالَتُها
بهِ رَجَعْتُ إِلى الأشواقِ أدْراجي
غَرْثَى الوِشاحِ ومَلْوى قُلْبِها شَرِقٌ
منْ مِعْصَمَيْ طَفْلَةٍ كالرّيمِ مِغْناجِ
فأرْعِ سَمعَكَ شِعراً يستَلِذُّ بهِ
رَجْعُ الغِناءِ بأرْمالٍ وأهزاجِ
ومَنْ أزارَكَ للعَلْياءِ هِمَّتَهُ فلَيْسَ
يَرضى بمُزْجاةٍ منَ الحاجِ
يأبى ليَ الضَّيْم فرْعيَ السامي
إلى المعالي وأصْليَ النامي
إني إذا ما الصديقُ أكرمني
ثُمَّ غدا يستردُّ إكرامي
جعلتُ من لذِّتي مُراغمتي
إيِّاه حتى يملَّ إرغامي
وليس إلا بهجره أبداً
والضنِّ عن بابه وإلمامي
خَليليَ لا تذكر أَخاك بِريبة
فَإِنّ كَمال الذات بِاللَه مُختصُّ
فَيا ربّ عَيب في اِمرئٍ غَير ظاهر
سِوى أَنَّهُ قَد راحَ يَذكره شَخصُ
فَلَمّا اِنتَهى مِن ذكر نَقص بِغَيره
بَدا لَك فيهِ ظاهِراً ذَلك النَقصُ
تَساقَينا التَذَكُّرَ فَاِنثَنَينا
كَأَنّا قَد تَساقَينا الطِلاءَ
وَعُجنا العيسَ توسِعُنا حَنيناً
تُغَنّينا وَنوسِعُها بُكاءَ
إِلى كَم ذا التَرَدُّدِ في التَصابي
وَفَجرُ الشَيبِ عِندي قَد أَضاءَ
فَيا مُبدي العُيوبِ سَقى سَواداً
يَكونُ عَلى مَقابِحِها غِطاءَ
شَبابي إِن تَكُن أَحسَنتَ يَوماً
فَقَد ظَلَمَ المَشيبُ وَقَد أَساءَ.