مواجهة الخطر الزام ام إلتزام

97396866 2668111240180854 3037427466168696832 n

اعداد / .رشا عبد العزيز
مفهوم الإلزام هو وجود سلطة تطبق القوانين لتلزم فرد او مجموعة من الأفراد بفعل شئ معين والتطبيق الإجباري للقوانين والذي ينتج عن مخالفته عقوبات رادعة ، بينما الإلتزام هو الوعي والمسئولية المجتمعية من فرد او مجموعة من الافراد تجاه مجتمعهم دون إلزامهم بقانون او عقوبة فهو التزام ناتج عن إحساس بالمسئولية.
إنتشار فيروس كورونا المستجد ” كوفيد – 19″ دفع الكثير من دول العالم إلى دق ناقوس الخطر وإعلان الحرب على الفيروس، وعلى الرغم من استخدام العديد من الدول لأسلوب التوعية والاعتماد على “الوعي المجتمعي” إلا أن تلك اللغة تبدلت تدريجياً مع تفشي الوباء لتتوالى أخبار فرض قوانين وتشريعات إستثنائية تضمنت مخالفات وجزاءات رادعة في وجه المخالفين للإجراءات والتدابير الوقائية المتخذة للحد من تفشي الوباء.
فالتجربة الصينية ينظر إليها البعض على أنها دليل على إحكام الدولة لقبضتها الأمنية التي مكنتها من فرض الإلتزام المجتمعي بالقوة.
ولكن مهما كانت القبضة الأمنية
للدولة قوية، فمن الصعب أن يتم إحكامها على الملايين دون وجود وعي والتزام لدى المواطن نفسه، وهذا الوعي والإلتزام تَوافر في الصين ، فمن دون الوعي الذي يجعل المواطن يحمي نفسه بإلتزام آداب العطاس والسعال ونظافة اليد، ويحمي الآخرين بعدم مخالطة الأصحاء إن كان مريضًا، سينتشر الفيروس، مهما أحكمت الدولة قبضتها.
وتشير الدراسات التي أجرتها العديد من مراكز الأبحاث الصحية إلى أن تفشي الوباء بصورة كارثية في بعض الدول مثل إيطاليا وإسبانيا جاء نتيجة عدم التزام رعايا كلا البلدين منذ البداية بالإجراءات والتدابير والوقائية اللازمة لمنع انتشار العدوى والإصابة بالفيروس.
البداية من الصين موطن الفيروس والتي تحملت وطأة إنتشاره قبل أن تنجح في إحتوائه بفضل حزمة من الإجراءات الصارمة وفي مقدمتها العقوبات الجزائية التي فرضتها على كل من يخالف الإجراءات الوقائية في المناطق الموبوءة.
وتضمنت قائمة العقوبات التي فرضتها الصين غرامة مالية قدرها 206 يورو لكل من يخرق نظام تقييد الحركة دون مبرر، وعقوبة السجن لمدة ثلاثة أشهر لمخالفي القواعد الصحية، ووصل الأمر إلى صدور قرار من محكمة صينية قضى بأن إخفاء أعراض الإصابة بفيروس كورونا “كوفيد – 19” عمدا أو الإدلاء ببيانات زائفة تتعلق بها يمثل جريمة تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وفي إسبانيا فرضت الحكومة حالة الطوارئ لمنع انتشار فيروس كورونا، ومنعت المواطنين من مغادرة منازلهم، وفي حالة العصيان تتراوح الغرامات من مائة يورو إلى ألف وخمسمائة، وبعضها قد يصل إلى السجن لمدة عام.
وبالانتقال إلى بريطانيا، أعتبرت النيابة العامة أن السعال عمداً في وجه أي شخص، في ظل الظروف الراهنة، هو إعتداء يستوجب عقوبة السجن لمدة أقصاها 6 أشهر، فيما تصل عقوبة الاعتداء على العاملين الرئيسيين، أو موظفي الطوارئ أثناء تأدية عملهم إلى السجن لمدة عامين.
وفي روسيا صادق مجلس النواب الروسي على تعديلات قانونية بفرض غرامة تصل إلى 700 ألف روبل /نحو 10 آلاف دولار/ أو عقوبة بالسجن تصل إلى 3 سنوات على الأفراد، الذين ينشرون معلومات كاذبة على أنها تقارير ذات مصداقية عن جائحة كورونا، وإذا ألحقت المعلومات الكاذبة الضرر بأحد ما فستفرض غرامة ما بين 700 ألف روبل و1.5 مليون روبل، أو عقوبة بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات، أما إذا أدت المعلومات الكاذبة إلى وفاة أحد ما أو إلى عواقب وخيمة أخرى فستفرض غرامة على المذنب تصل إلى 2 مليون روبل أو عقوبة بالسجن تصل إلى 5 سنوات ، وجاءت التعديلات الجديدة في إطار قانون ينص على فرض عقوبة بالسجن تصل إلى 7 سنوات لانتهاك المصابين بفيروس كورونا شروط الحجر الصحي.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة لنقص كبير في الإحتياجات الأساسية بعد قرارات الحظر وفرض حالة الطوارئ الصحية ومع سرعة انتشار فيروس كورونا، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمرا تنفيذيا لمنع الاحتكار والتلاعب بأسعار السلع، التي “يتم الاحتياج إليها”.
وعلي مستوي العالم العربي في مصر أعلنت النيابة العامة عقوبات مغلظة ضد مروجي الشائعات حول كورونا، مشيرة إلى أن إدارة أو إستخدام أي من المواقع أو الحسابات الخاصة على الشبكة المعلوماتية لنشر وترويج أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة، فإن العقوبة ستصل إلى الحبس الذي لا يقل عن سنتين، والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد عن ثلاثمائة ألف جنيه.
كما أقرت وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية غرامة 10 آلاف ريال لكل من يخالف أمر منع التجول وتتضاعف في حال العودة، وإذا تكررت فيعاقب بالسجن لمدة لا تزيد على 20 يوماً، لمن لا يمتثل للسلطات المختصة بتنفيذ المنع.
ومن جهته وافق مجلس الأمة الكويتي على تعديل قانون الاحتياطات الصحیة للوقایة من الأمراض الساریة بما یشمل وضع عقوبات مغلظة رادعة تتناسب مع الأوضاع الصحیة الراھنة.
ونص التعديل على معاقبة كل من يخالف تعليمات وزير الصحة بشأن منع انتشار الأوبئة بالحبس مدة لا تجاوز ستة شهور وبغرامة لا تزد على عشرة آلاف دینار /32 ألف دولار/ أو بإحدى ھاتین العقوبتین، كما استحدث التعديل مادة تنص على أن “كل من علم أنه مصاب بأحد الأمراض الساریة وتسبب عمدا في نقل العدوى إلى شخص آخر یعاقب بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات وبغرامة لا تزید على ثلاثین ألف دینار أو بإحدى ھاتین العقوبتین”.
ما نريد ان نصل إليه هل الوعي المجتمعي يكون فقط نتيجة الإلزام بالقوانين ام بالإلتزام نتيجة المسئولية المجتمعية التي يحس بها الانسان تجاه مجتمعه ؟!
على الرغم من كثرة الإرشادات والحملات التوعوية التي تقوم بها أجهزة الدولة للسيطرة على وباء «كورونا»، وحماية المجتمع من هذا الخطر الكبير، إلا أننا شاهدنا خلال الفترة الماضية بعض التجاوزات والمخالفات والاستهتار بهذه التعليمات، وتجاوزها رغم خطورة ما قد ينجم عنها.
إن الأخطر من فيروس «كورونا»، هو جهل الأشخاص بخطورة هذه التجاوزات والتي قد تعرض حياة الناس للخطر، فشخص واحد مصاب قد ينقل المرض للآلاف، ولهذا تأتي تعليمات الصحة العالمية بضرورة التباعد الاجتماعي، وفرض بعض القيود على الحركة، وإغلاق أماكن التجمعات، بهدف حماية المصلحة العامة، ولكن للأسف، يستهتر البعض بهذه الحقائق، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي، ضاربين بالتعليمات عرض الحائط، ومقدمين مصلحتهم الشخصية على مصلحة المجتمع، وأمثال هؤلاء ربما لن تردعهم رسائل التوعية، ولهذا، وجب تفعيل سلطة القانون، لتكون هي الأداة لمنع ممارسة مثل هذه التصرفات، وردع أفراد المجتمع المخالفين، ليكونوا عبرة لغيرهم، وينضبط المجتمع بكامله.
إن انضباط المجتمع واتباعه للتعليمات، هو ما سيؤدي بإذن الله إلى انخفاض أعداد المصابين بهذا الفيروس، وهو الأمر الذي نسعى إليه، والذي يوجب علينا الالتزام بالتعليمات، وعدم الاستهتار بأمر انتشار الفيروس، الأمر الذي لم يأخذه البعض على محمل الجد، وما زالوا يمارسون حياتهم بشكلٍ طبيعي، متناسين خطورة الفيروس، وما قد يسببه من أعراض قد تصل إلى الوفاة ، ولذلك المراهنة فقط علي وعي المواطنين دون تطبيق العقوبات والقوانين يزيد من فرصة تفاقم الخطر .. فالامر يتطلب تعاون المجتمع بأفراده والجهات المعنية، حتي يكتمل بناء قواعد المواجهة ضد فيروس «كورونا» المستجد، أو أي خطر يهدد مجتمعنا .