ناصرالدين أبوالمعالي حسن ٣

94691062 1116514722019522 6059933159389134848 n 10

بقلم/ أحمد الطحاوي

في يوم الأربعاء سادس عشرين ربيع الأول أنعم على الأمير منجك اليوسفي بتقدمة أحمد شاد الشراب خاناه ثم في الغد يوم الخميس امتنع النائب من الركوب في الموكب وأجاب بأنه ترك النيابة فطلب إلى الخدمة وسئل عن سبب ذلك فذكر أن الأمراء المظفرية تريد إقامة الفتنة وتبيت خيولهم في كل ليلة مشدودة وقد اتفقوا على مسكه وأشار لألجيبغا وطنيرق فأنكرا ما ذكر النائب عنهما فحاققهما الأمير أركون الكاملي أن ألجيبغا واعده بالأمس على الركوب في غد وقت الموكب ومسك النائب ومنجك فعتب عليهما الأمراء فاعتذرا بعذر غير مقبول وظهر صدق ما نقله النائب فخلع على ألجيبغا بنيابة طرابلس وعلى طنيرق بإمرة في دمشق وأخرجا من يومهما فقام في أمر طنيرق صهره الأمير طشتمر طلليه حتى أعفي من السفرة وتوجه ألجيبغا إلى طرابلس في ثامن شهر ربيع الآخر من السنة بعد ما أمهل أياماً واستمر منجك معزولاً إلى أن أعيد إلى الوزارة في يوم الإثنين خامس عشر شهر ربيع الآخر باستعفاء أسندمر العمري لتوقف أحوال الوزارة وفيه أيضاً أخرج من الأمراء المظفرية لاجين العلائي وطيبغا المظفري ومنكلي بغا المظفري وفرقوا ببلاد الشام ثم قدمت تقدمة الأمير أرغون شاه نائب الشام زيادة عما جرت به العادة وهي مائة وأربعون فرساً بعبي تدمرية فوقها أجلة أطلس ومقاود سلاسلها فضة ولواوين بحلق فضة وأربعة قطر هجن بمقاود حرير وسلاسل فضة وذهب وأكوارها مغشاة بذهب وأربعة كنابيش ذهب عليها ألقاب السلطان وتعابي قماش مبقجة من كل صنف ولم يدع أحداً من الأمراء المقدمين ولا من أرباب الوظائف حتى الفراش ومقدم الإسطبل ومقدم الطبلخاناه والطباخ حتى بعث إليهم هدية فخلع على مملوكه عدة خلع وكتب إليه بزيادة على إقطاعه ورسم له بتفويض حكم الشام جميعه إليه يعزل ويولي من يختار وفيه أنعم علي خليل بن قوصون بإمرة طبلخاناه وأنعم أيضاً على ابن المجدي بإمرة طبلخاناه وأنعم على أحد أولاد منجك الوزير بإمرة مائة وتقدمة ألف ثم في ثالث ذي الحجة أخرج طشبغا الدوادار إلى الشام وسببه مفاوضة جرت بينه وبين القاضي علاء الدين علي بن فضل الله كاتب السر أفضت به إلى أن أخذ طشبغا بأطواق كاتب السر ودخلا على الأمير شيخون كذلك فأنكر شيخون على طشبغا ورسم بإخراجه وعمل مكانه قطليجا الأرغوني دواداراً ثم رسم للأمير بيغرا أمير جاندار أن يجلس رأس ميسرة واستقر الأمير أيتمش الناصري حاجب الحجاب أمير جاندار عوضه واستقر الأمير قبلاي حاجب الحجاب عوضاً عن أيتمش وكانت هذه السنة أعني سنة تسع وأربعين وسبعمائة كثيرة الوباء والفساد بمصر والشام من كثرة قطع الطريق وولاية الأمير منجك جميع أعمال المملكة بالمال وآنفراده وأخيه بيبغا أرس بتدبير المملكة ومع هذا كان فيها أيضاً الوباء لم يقع مثله في سالف الأعصر فإنه كان ابتدأ بأرض مصر آخر أيام التخضير في فصل الخريف في أثناء سنة ثمان وأربعين فما أهل المحرم سنة تسع وأربعين حتى اشتهر وآشتد بديار مصر في شعبان ورمضان وشوال وارتفع في نصف ذي القعدة فكان يموت بالقاهرة ومصر ما بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف نفس إلى عشرين ألف نفس في كل يوم وعملت الناس التوابيت والدكك لتغسيل الموتى للسبيل بغير أجرة وحمل أكثر الموتى على ألواح الخشب وعلى السلالم والأبواب وحفرت الحفائر وألقيت فيها الموتى فكانت الحفيرة يدفن فيها الثلاثون والأربعون وأكثر وكان الموت بالطاعون يبصق الإنسان لحماً ثم يصيح ويموت ومع هذا عم الغلاء الدنيا جميعها ولم يكن هذا الوباء كما عهد في إقليم دون إقليم بل عم أقاليم الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً جميع أجناس بني آدم وغيرهم حتى حيتان البحر وطير السماء ووحش البر. وكان أول آبتدائه من بلاد القان الكبير حيث الإقليم الأول وبعدها من تبريز إلى آخرها ستة أشهر وهي بلاد الخطا والمغل وأهلها يعبدون النار والشمس والقمر وتزيد عدتهم على ثلاثمائة جنس فهلكوا بأجمعهم من غير علة في مشاتيهم ومصايفهم وعلى ظهور خيلهم وماتت خيولهم وصاروا جيفة مرمية فوق الأرض وكان ذلك في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ثم حملت الريح نتنهم إلى البلاد فما مرت على بلد إلا وساعة شمها إنسان أو حيوان مات لوقته فهلك من أجناد القان خلائق لا يحصيها إلا الله تعالى ثم هلك القان وأولاده الستة ولم يبق بذلك الإقليم من يحكمه ثم اتصل الوباء ببلاد الشرق جميعها بلاد أزبك وبلاد إسطنبول وقيصرية الروم ثم دخل أنطاكية حتى أفنى من بها وخرج جماعة من بلاد أنطاكية فارين من الموت فماتوا بأجمعهم في طريقهم ثم عم الوباء جبال ابن قرمان وقيصرية ففني أهلها ودوابهم ومواشيهم فرحلت الأكراد خوفاً من الموت فلم يجدوا أرضاً إلا وفيها الموت فعادوا إلى أرضهم وماتوا جميعاً ثم وقع ذلك ببلاد سيس فمات لصاحبها تكفور في يوم واحد بموضع مائة وثمانون نفساً وخلت سيس ثم وقع في بلاد الخطا مطر عظيم لم يعهد مثله في غير أوانه فماتت دوابهم ومواشيهم عقيب ذلك المطر حتى فنيت ثم مات الناس والوحوش والطيور حتى خلت بلاد الخطا وهلك ستة عشر ملكاً في مدة ثلاث أشهر وأفني أهل الصين حتى لم يبق منهم إلا القليل وكذلك بالهند ثم وقع ببغداد أيضاً فكان الإنسان يصبح وقد وجد بوجهه طلوعاً فما هو إلا أن يمد يده على موضع الطلوع فيموت في الوقت وكان أولاد دمرادش قد حصروا الشيخ حسناً صاحب بغداد ففجأهم الموت في عسكرهم من وقت المغرب إلى باكر النهار إلى الغد فمات منهم عدد كثير نحو الألف ومائتي رجل وستة أمراء وحوادث كثيرة فكتب الشيخ حسن صاحب بغداد بذلك إلى سلطان مصر ثم في أول جمادى الأولى ابتدأ الوباء بمدينة حلب ثم بالبلاد الشامية كلها وبلاد ماردين وجبالها وجميع ديار بكر وأفنى بلاد صفد والقدس والكرك ونابلس والسواحل وعربان البوادي حتى إنه لم يبق ببلد جينين غير عجوز واحدة خرجت منها فارة وكذلك وقع بالرملة وغيرها وصارت الخانات ملآنة بجيف الموتى ولم يدخل الوباء معرة النعمان من بلاد الشام ولا بلد شيزر ولا حارم وأول ما بدأ بدمشق كان يخرج خلف أذن الإنسان بثرة فيخر صريعاً ثم صار يخرج للإنسان كبة تحت إبطه فيموت أيضاً سريعاً ثم خرجت بالناس

خيارة فقتلت خلقاً كثيراً ثم صار الآدمي يبصق لحماً ويموت من وقته فاشتد الهول من كثرة الموت حتى إنه أكثر ما كان يعيش من يصيبه ذلك خمسين ساعة وبلغ عدة من يموت في كل يوم بمدينة حلب خمسمائة إنسان ومات بمدينة غزة في ثاني المحرم إلى رابع صفر على ما ورد في كتاب نائبها زيادة على اثنين وعشرين ألف إنسان حتى غلقت أسواقها وشمل الموت أهل الضياع بها وكان آخر زمان الحرث فكان الرجل يوجد ميتاً خلف محراثه ويوجد آخر قد مات وفي يده ما يبذره ثم ماتت أبقارهم وخرج رجل بعشرين رأس بقر لإصلاح أرضه فماتوا واحداً بعد واحد وهو يراهم يتساقطون امامه فعاد إلى غزة ودخل ستة انفار لسرقة دار بغزة فأخذوا ما في الدار ليخرجوا به فماتوا بأجمعهم وفر نائبها إلى ناحية بدعرش وترك غزة خالية ومات أهل قطيا وصارت جثثهم تحت النخل وعلى الحوانيت حتى لم يبق بها سوى الوالي وغلامين وجارية عجوز وبعث الوالي يستعفي فولى الوزير عوضه مبارك أستادار طغجي.