” نساءٌ مهاجرات ” – جزء 2 :

FB IMG 1599768715321

بقلم الداعية الإسلامية : مهندسة / بهيرة خيرالله

تحدثنا فى مقال سابق عن دور المرأة فى الهجرة فى أوائل البعثة النبوية في السنة الخامسة منها ، هجرتين إلي الحبشة في عام واحد ، ثم طلائع الهجرة إلي يثرب قبل هجرة النبي صلي الله عليه وسلم …

  • ونعرض هنا إلي أبطال رحلة الهجرة النبوية ، الرفيق أبو بكر ، ومولاه عامر بن فهيرة ، وعبد الله بن أريقط دليل الرحلة الكافر آنذاك ، وعلي بن أبي طالب الفدائي ، وعبد الله بن أبي بكر العين المخابراتي ، وهنا لا ننسي دور ” أسماء بنت أبي بكر” فى التغطية علي خروج أبيها الصديق مع الرسول صلي الله عليه وسلم للهجرة ليلة اجتمع أهل دار الندوة علي قتل رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ونذكر ما أصابها من لطم أبو جهل لها وإسقاط قرطها من أذنها وإصابتها حين أنكرت علمها بمسار أبيها مع رسول الله . ولا ننسي دورها فى الإمداد والتموين للمهاجرين العظيمين نبي الله وأبوها الصديق ثاني اثنين إذ هما فى الغار ، حين كانت تخرج فى خفية وهي حامل فى ابنها ” عبد الله ابن الزبير” أول مولود فى دار الهجرة ، لتحمل للمسافرين الطعام اللازم لرحلة الهجرة ، وحين احتاجت إلى ما تشد به السفرة شقت خمارها نصفين ، فشدت بنصفه السفرة ، واتخذت النصف الآخر منطقا لها ، لذا لقبت بذات النطاقين .
  • وكذا لا ننسي دور تلك الصحابية الجليلة ” أم معبد الخزاعية ” التي مرَّ بها الركب المبارك : رسول الله صلي الله عليه وسلم وصاحبه “أبو بكر الصديق” ،ومولاه” عامر بن فهيرة ” ،ودليل الطريق المشرك آنذاك “عبد الله بن أريقط ” ، وكانت أم معبد تسقي وتطعم من يمرَّ بها ، فنزل بها المسافرون وطعموا من لبن شاتها الضعيفة التي درت لبنا فياضا ببركة دعاء نبي الله صلي الله عليه وسلم ، فشرب الجميع وفاض اللبن وملأت المرأة أوعيتها منه ، مما جعل زوجها أبو معبد يتعجب بعد عودته من خروجه للمرعي بباقي الغنم مما حكته له من بركة هذا الرجل ، حتي أنه قال : ” هذا والله صاحبُ قريش الذي ذُكِرَ من أمره ما ذكر، لقد هممتُ أن أصحبه، ولأفعلنَّ إن وجدت إلى ذلك سبيلا‏ ” . ونذكر ما قامت به أم معبد من التغطية علي خبر رسول الله وصحبه بعد أن تركوها حين جاءها فتيان قريش يتعقبونه لينالوا الجائزة التي وعدت بها قريش بمن يأتيهم بمحمد وصاحبه ، ولم يغرها المال ولم تكن علي الإسلام بعد ولكنها استشعرت بركة هذا الرجل الذي صار له شأن ، وكانت هي ممن أجاد ودقق فى وصفه صلي الله عليه وسلم وصفا بديعا كأن السامع ينظر إليه .
  • هؤلاء نساء مهاجرات كان لهنَّ السبق فى طاعة الله ورسوله وترك الدنيا واستقرار المعيشة إلي السفر والترحال ؛ وهجر الديار والأموال ، حتي أنه نزل فيهن قرآنا يتلي إلي قيام الساعة ، حينما سألت أم المؤمنين أم سلمة فقالت : « يا رسول الله ، لا نَسْمَع اللهَ ذَكَر النساء في الهجرة بشيء؟ » ، فنزل قوله تعالي : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) } [ آل عمران ] .. جزاهنَّ الله عنَّا خير الجزاء فى السبق والقدوة الحسنة .
  • وإن كانت انتهت الهجرة بمعناها الشرعي من دار الشرك إلى دار السلام ، وذلك بعد أن استقر النبى صلي الله عليه وسلم فى المدينة ، وهاجر إليه من أمكنه من المسلمين إلى أن فُتحت مكة عام 8 هـ فانقطع الاختصاص كما قال : ( لا هِجْرَةَ بعدَ الفتح ولكن جِهادٌ ونيةٌ ) ؛ إلا أن الهجرة ما زالت مستمرة بمعناها العام ، وهي كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( هجرة ما نهي الله عنه إلي ما يحبه الله تعالي ) ؛ هجرة المعاصي وأهلها حتي يثوبوا إلي رشدهم ؛ وهجرة الأخلاق الذميمة والعادات القبيحة ، وهجرة التشرذم والفرقة . وكما قال تعالي : { الرُّجْزَ فَاهْجُر(5)} [ المدثر]، فهى دعوة مستمرة إلى الثبات على ترك الإثم والمعاصى الموجبة للعذاب .

وهناك الهجرات المباحة لنوال خيري الدنيا والآخرة ، طلبا للعلم أو العمل أو الرزق ، وهو كقوله تعالي : { وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(100)} [ النساء] . ومن أنفع الهجرات الهجرة لطلب العلم كما فعل الإمام الشافعي وأحمد والبخاري ومسلم .

ولا تزال الهجرة مدرسة تستنبط منها عبر وعظات لا تعد ولا تحصي بينت مكانة هذا الدين في قلوب المؤمنين حقا إذ هانت عليهم التضحية وتقديم كل غال ، وتكبد المشقة في ترك الوطن والمال والعيال طاعة لله ورسوله ، وطلبا للدرجات العلي من الجنة ، وهو كقوله :{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗۖ وَلَأَجۡرُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ (41)} [النحل] & وقوله : { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيم ٞ(74)} [ الأنفال].