نهاية الحل الديني!

b5de232f 9d8c 4a13 a1d9 bc70cf01dcef

بقلم د.ظريف حسين – رئيس قسم الفلسفة بآداب الزقازيق

   لايمكن تصور بناء نظام سياسي علي  نسق عقائدي أو فكري مجرد،حتي لو كان نسقا دينيا،وقد سبق أن سجّلَت الماركسية أكبر إخفاق عملي في تاريخ الأفكار برغم مناهضتها الساخرة  الشرسة لكل عقيدة دينية تقليدية؛لأنها ببساطة حولت نفسها إلي عقيدة شبيهة بالعقائد الدينية أو أنها اتخذت لنفسها-بفضل عشاقها و منظريها – شكلَ الدين المقلوب! فما بالنا بالأنساق الفكرية ذات الأصول الدينية مثل السلفية و الإخوانية؟!

   فأما سرُّ هذا الإخفاق ففي أن هذه الأنساق تقدِّم نفسها علي شكل باقات من الأفكار الجاهزة المغلقة علي نفسها،و تريد مع ذلك أن تفرض نفسها علي الوقائع،أي تريد للواقع بصفة عامة أن يجسدها هي،لا أن تتكفل هي بتصويره أو إعادة صياغته و إبداعه!

    و لما كانت الوقائع-بطبيعتها-متغيرة و متنوعة باستمرار فإنه لا يمكن لأي نظام فكري عامة أو ديني خاصة(بوصفه نظاما جاهزا أو سابق الإعداد)أن يعبر عنها.

   و العكس صحيح تماما:ذلك أن الواقع بطبيعته يسبق كل نظرية.و حتي لو خالفني في ذلك غيري من الناحية النظرية، فإن كل التصورات المسبقة لا يمكن أن تكون صحيحة ما لم تكن هناك وقائع تتطابقها معها و تُصدِّقُها.

   و الآن يمكننا أن نفهم لماذا سقط شعار”الإسلام هو الحل”و غيره من الشعارات الشبيهة؛لأن مثل هذه الشعارات تنطوي علي فهم ساذج و بالتالي زائف للعلاقة بين الفكر و الواقع يفترض مسبقا كيانا نقيا كل النقاء اسمه “الإسلام” أو أية عقيدة مشتقة منه،و أنه بمجرد أن يمس هذا المفتاح السحري أية مشكلة واقعية فإن سيتكفل بحلها فورا!

   و هذا كله مجرد وهم بالغ من جانب مُروِّجيه؛فليس هناك(و لم يكن هناك)شيء ثابت في التواريخ الفقهية و التشريعية و السياسية اسمه”الإسلام الخالص”كان قد جسده شخص – باستثناء النبي- أو أمة بعينها و باطِّراد و باستمرار؛و لذلك فإن عقائد المسلمين بالفعل قد تختلف في المضمون الإجمالي طبقا لاختلاف عقائدهم السياسية كاختلاف الشيعي عن السني مثلا.برغم أنه لا يمكن – من الناحية النظرية – تفضيلُ احدي هذه العقائد علي الأخري،و لكن، و برغم كل شيء فإن مظاهر هذه الإختلافات تظل مُجسَّدة في الممارسات العملية لأصحاب العقائد.

    و لذلك ستبطل كل الجدالات في هذا الخصوص،و كم سقطت و سوف تسقط كل المحاولات التي ستسعي لجعل الوقائع تحت رحمة الأفكار المجردة،أي الأيديولوجيات المهووسة دينيا،أي المدفوعة دفعا بالحماس الديني ليس إلا!