هل يمكن عولمة الأديان؟
بقلم / الدكتور ظريف حسين رئيس قسم الفلسفة بآداب الزقازيق…
كان هيجل أول من اخترع فلسفة تجسد عولمة الدين من ناحية، و تجسد عالمية الروح الألمانية، من جهة أخري. ولكنها ككل فلسفة أرادت أن تصبح أيديولوجيا مهيمنة علي العالم، ولكنها فشلت لأنها بقيت أسيرة للنعرة العرقية الآرية، التي ينحدر منها الألمان،
.للمزيد من أسعار الدولار والذهب والعملات والأخبار الترند تابعونا على قناة التليجرام https://t.me/ghsjksjjs
في صراع مرير حتي الآن مع العرقية السامية، ويعد التاريخ مسرحا للعمليات الحربية بينهما وبكل أنواع العنف المادي والثقافي. ولم يكن هيجل أول من وقع في فخ النزعة العرقية؛ فقد كان اليونانيون القدماء يصفون غيرهم بأنهم بربر،
كما أن غالبية شعوب الأرض يتمركزون حول عرقياتهم، ناظرين إلي غيرهم بوصفهم شعوبا همجية، ليس أنثروبولوجيا فقط، بل أيضا ثقافيا: فكل من يقرأ المستشرقين يلاحظ أن أكثرهم مغرورون متعالون ساخرون، ويفهمون تراثنا كما يشاؤون. وأما محاولة هيجل عولمة المسيحية فلأنها (أولا) كانت معتقدا شخصيا له،
و(ثانيا)، وهو الأهم فلسفيا، أنها ديانة تؤسس للتوحيد بين الله والعالم تماما كالرواقية؛ فهي امتداد لعقيدة التجسد؛ لذلك فقد كانت ولا تزال أسهل في التناول الفلسفي للعولمة من الإسلام الذي تشتد فيه النعرة العرقية الدينية( فهو يري أنه يمثل قمة الوهج الروحي، و أنقي تجسيد للوحي)،
حتي أن فيلسوفا يهوديا مُهمَّا – وهو سبينوزا – فضَّل صيغة “وحدة الوجود” المسيحية علي صيغة “الله – العالم” اليهودية التي تتمتع بنوعين من العرقية وهما: “السامية” وهي عرقية بيولوجية، فضلا عن العرقية الدينية؛ بوصفهم مختارين من الله مباشرة، فهُم أبناؤه وأحباؤه، علي ما قالوا. كما لا تعد “الطاوية” الآسيوية قابلة للعالمية؛ لأنها مجرد ديانة أخلاقية يختلط فيها كل شيء بكل شيء، أي العادات بالمعتقدات الشعبية، ولذلك فهي موغلة في المحلية، بما يمكنني أن أصفها بأنها “عرقية ثقافية”،
وبذلك حكمت علي نفسها بالإقليمية، فضلا عن كونها وثنية. وبصفة عامة فإن الديانات دائما ما توصف بأنها مجرد ثقافات، ورغم أن فيها عناصر مشتركة؛ لأنها مستمدة من تطلعات الإنسان وفهمه لنفسه ولعلاقاته بالأشياء وبزملائه في الإنسانية، فإن الحواجز الشخصية في كل ديانة لن تجعلها عالمية في يوم من الأيام، وليس هذا إلا طموح المتحمسين الدينيين، وإن كان أقصي طموحات السواد الأعظم من مواطني العالم هو أن يكونوا مقبولين من غيرهم، في ظل استمرار المعارك الطاحنة لتأكيد النقاء الذاتي في داخل كل عقيدة، والتوسع،
ما أمكن، علي حساب غيرها، مما دعا فوكوياما إلي وصف مستقبل الصراع العالمي بأنه محصور بين الإسلام والغرب، وهذا يعني حدة الشقاق بين القيم الإسلامية والقيم الأوربية من جهة، ومن جهة أخري إمكانية ذوبان الاختلافات بين قيم الديانات الأخري، ومنها البوذية والطاوية والكونفشيوسية ( ديانات دول شرق آسيا) لتقف علي قلب رجل واحد ضد الإسلام. وربما كان التحالف الصيني الإيراني، من جهة،
والصيني الروسي، من جهة أخري، هو ما أوحي لفوكوياما بهذه النبوءة. ولكن الديانات بوصفها تفضيلات شخصية ليست هي المشكلة، بل المشكلة في قيم أصحابها، وعقائدهم السياسية.ط
الدين هو أحد أبرز مكونات الهوية الإنسانية، وأحد المحركات الأساسية للجنس البشري، فإن في فهمه فهما للحضارات والثقافات المعاصرة، وفهما لقيمها ومبادئها ومواقفها. وهذا كله لا يمكن أن يتم إلا من خلال الدراسة الموضوعية لمختلف الأديان.