وَسائِلُ القُربِ مِنَ اللهِ تعالى ونَيْلِ مَحَبَّتِه

77310450 2482714888637445 7958698511157952512 n

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : “إنَّ الله تَعالَى قَال : مَنْ عَادَى لي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِل حَتَّى أُحِبَّهُ، فإذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بهِ، وَيَدَهُ الّتي يَبْطِشُ بهَا، وَرِجْلَهُ الّتي يَمْشي بِهُا، وَإنْ سَأَلِني لأعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ”. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى أداء الفرائض: وهذه الفائدة صريحة في قول الله تعالى في هذا الحديث: “ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه”.

ومن الفرائض المقربة إلى الله تعالى عَدْلُ الراعي في رعيته سواء كانت رعية عامة كالحاكم، أو رعية خاصة، كعدل آحاد الناس في أهله وولده، ففي الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أحب العباد إلى الله يوم القيامة وأدناهم إليه مجلساً إمام عادل”.

من أداء الفرائض ترك المعاصي: لأن الله تعالى افترض على عباده ترك المعاصي، وأخبر سبحانه أن من تعدى حدوده وارتكب معاصيه، كان مستحقاً للعقاب الأليم في الدنيا والآخرة، وبهذا يكون ترك المعاصي من هذه الناحية داخلاً تحت عموم قوله: “وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه”.

التقرب إلى الله تعالى بالنوافل: ولا يحصل هذا التقرب والتحبب إلا بعد أداء الفرائض، ويكون بالاجتهاد في نوافل الطاعات، من صلاة وصيام وزكاة وحج …، وكف النفس عن دقائق المكروهات بالورع، وذلك يوجب للعبد محبة الله، ومن أحبه الله رزقه طاعته والاشتغال بذكره وعبادته.

ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم، ومن أعظم النوافل كثرة ذكر الله، قال تعالى: {فاذكرُوني أذكرْكم} [البقرة: 152].

أثر محبة الله في وليه: يظهر أثر محبة الله في وليه بما ورد في الحديث “فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها” وفي بعض الروايات “وقلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به” .

قال ابن رجب: والمراد من هذا الكلام أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ثم بالنوافل قَرَّبه إليه ورَقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ومحبته وعظمته، وخوفه ومهابته، والأنس به والشوق إليه، حتى يصير الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة.

ومتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه، ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق نطق بالله، وإن سمع سمع به، وإن نظر نظر به، وإن بطش بطش به. فهذا هو المراد بقوله : “كنت سمعه الذي يسمع به …”.

وقد ذهب الشوكاني إلى أن المراد: إمداد الرب سبحانه لهذه الأعضاء بنوره الذي تلوح به طرائق الهداية وتنقشع عنده سحب الغَوَاية.