بقلم /أحمد الطحاوي
الإنكسار الثاني لجيوش المماليك وقرب زوال دولتهم رجوع بقية المنهزمين من المماليك إلى مصر في حالة يُرثى لها ورجع معهم جان بردي الغزالي وكأنه قصد برجوعه إلى مصر أن يَفُتَّ في عَضُدِ المماليك في مصر ويكون عونًا وجاسوسا للعثمانيين وكانت أفعاله كلها في مصر ترمي إلى ذلك لأنه خرج عَقِبَ دخوله مصر بحملة إلى الشام ليُنقذ غزة من العثمانيين ففرق عساكره في البلاد ولم يلاقِ العثمانيين إلا بفئة قليلة لم تلبث أن انهزمت وكانت هزيمتهم سببًا في فشل طومان باي الذي خلَّفه الغوري سلطانًا على مصر في تأليف جيش عظيم آخر يدافع عن القاهرة فقد كابد في جمعه مشقات عظيمة وتخاذل المماليك واشترطوا عليه شروطا أشد مما اشترطوا على الغوري وبَقُوا في خلاف: هل يحاربون العثمانيين على حدود جزيرة الطور وهم منهوكو القوى من قطع الصحراء أو في شمالي القاهرة في الثاني عشر من ذي الحجة ٩٢٢هـ وصلت إلى القاهرة أنباء اجتياز العثمانيين حدود مصر مع غزة وبلوغهم العريش فابتدأ طومان باي بحفر الخنادق حول القاهرة وإقامة التحصينات ونصب المدافع وقام بنقل السوق إلى بقعة آمنة ليشتري الجند المؤن استعدادا لمواجهة الغزاة كما أعلن التعبئة سواء بين أولاد البلد من العوام أو المماليك السلطانية الذين عانى السلطان تقاعسهم عن المرابطة حول التحصينات. وصارت أخبار تقدم جند العثمانيين تصل إلى السلطان وهو يحث رجاله على الخروج لملاقاتهم خارج العاصمة لكنهم رفضوا ذلك وتمسكوا بانتظار وصول الجيش العثماني إليهم لمواجهته حتى بلغ العثمانيون بلبيس والشرقية التي هاجر أهلها للقاهرة خوفا من مداهمة الغزاة لهم فاضطر طومان باي لحرق مخازن الغلال المحيطة ببلبيس كيلا ينتفع جيش السلطان سليم بها. أثناء ذلك كان العربان يغيرون أحيانا على الغزاة فيختطفون بعض جنودهم ويقطعون رؤوسهم ثم يرسلونها إلى القاهرة لتعلق بأبوابها في محاولة لرفع معنويات الأهالي. ويسجل المؤرخ محاولة عثمانية لاغتيال طومان باي حيث دخل عليه خيمته شخص ملثم مسلح فقبضه الجنود ليكتشفوا أنه امرأة تركمانية متأهبة بخنجر تحت ثيابها فقتلوها وعلقوا جثتها الممزقة مع رؤوس العثمانيين.