▪️ بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى..
▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف…
حينَ بُويعَ عُمرُ بن عبد العزيز بالخلافةِ مُكرهًا كانَ مشغولً بدفنِ الخليفة سُليمانَ بن عبد الملك ، وعشية انتهاء الدفن جاؤا إليه بمراكب الخلافة ، فقال لهم : ما هذا ؟
قالوا : مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين قُرِّبَتْ إليكَ ؛ لتركبها ، وكانت يومئذ بالسروج المحلَّاة بالذهب المرصَّعة بالجوهر ، فقال لهم : ما لِي وما لها ؟! نحُّوها عني ، وقرّبوا لي بغلتي ، وأمَرَ أن تُباع ويدخل ثمنُها بيتَ مالِ المُسلمين ، فقربوا إليه بغلته فركبها ، وجاءه صاحبُ الشرطة يسيرُ بينَ يديه بالحربة ، فقال له : تنحَ عني ، ما لي ومالك ؟ إنما انا رجلٌ من المسلمين !!
ومشى الخليفة الجديد بين الناس ، راكبًا على بغلتهِ ( بلا موكب ، ولا طبلٍ ، ولا حربة ولا راية ) .
غمر بن عبد العزيز الرجل الذي أورثتهُ شريعةُ القرآن تيجانَ الملوك الأربعة كسرى ، وقيصر ، وفرعون ، وخاقان ، الرجل الذي يحكم الأندلس ، ومراكش ، والجزائر ، وتونس ، وطرابلس ، ومصر ، والحجاز ، ونجدًا ، واليمن ، وسورية ،والأردن ، وفلسطين ، ولبنان ، والعراق ، والعجم ، وأرمينية ، والأفغان ، والسند ، وسمرقند ، وبخارى ، مشى ومشى الناسُ بين يديه حتى دخل على المسجد فقام على المنبر وقال :
أيها الناس ، إنِّي قد ابتُلِيتُ بهذا الأمر من غير رأيٍ كان مني فيهِ ، ولا طَلَبٍ له ، ولا مشورةٍ من المسلمين , وإني قد خَلَعْتُ بيعتي من أعناقكم فاختاروا لأنفسكم .
فصاح الناس صيحةً واحدة : إننا اخترناك ورضينا بك !!
فَحَكَمَ الخليفةُ العادلُ الدولةَ الإسلامية فأدارها أحسنَ إدارة وأقومَها ، فاستقر الأمنُ ، ونامت الثوراتُ ، وقعد القائمون بالمعارضة ، وسكت الناقمون على بني أُميّة ، وتصافَى الشيعيُّ والخارجيُّ ، والمصريُّ ، واليمانيُّ ، والأسودُ ، والأحمرُ ، واصطحب في البرية الحَمَلُ مع الذئب !!
دامت فترةُ حُكم عمربن عبد العزيز رضى الله عنه سنتين ونصف السنة ، كانت من أبهى وأعدل أيام الدولة الإسلامية في التاريخ .
وفى هذه الفترة القصيرة استطاع عُمَرُ أن يحكم بالعدل ، وبهذه الفترة القصيرة لم يجد عُمرُ فقراء بين المسلمين يستحقون الزكاة فقال مقولته الشهيرة :
” انثروا القمح على رؤوس الجبال ؛ لكي لا يقال : جاع طيرٌ في بلاد المسلمين ” !!