⁩النقاط المُنكشِفة سلاح ابليس

received 968747970267693

⁦⁩ بقلم أحمد يوسف الحلواني

⁦⁩باحث في الشريعة الإسلامية٠


هوعدوٌ مُبينٌ يُريد إهلاكنا هلاك الأبد ، لذلك لابد من التدبر والتعمق والتفتيش والتنقير منه ومن طرقه وأساليبه وحيله ، لأنه يترصَّدك عند كل قارعة وعند كل ناصية وفي كل زاوية من الليل والنهار.
وفى هذه السطور نتعرف على عدته التى أعدها لنا ولسائر بنى آدم من أجل إغوائنا وتضليلنا ، فأخطر ما أعده إبليس لنا هذا اللعين الطريد من رحمة الله هو سلاح المعرفة ، فقد إستطاع أن يعرف عدوه جيداً ، تماماً كالأعداء البشريين ، فحين تنشب حربٌ بين دولتين ما الذي تحرص عليه كل دولة ؟ بالطبع هى تحرص على معرفة الاخر (إعرف عدوك) ، لأنه بمعرفته إياك سيرصد ويرقب مواطن الضعف، نقاط الإنكسار، الهشاشة ،الفجوات ، والضعف والإنكشاف كما يقولون في لُغة العسكريين ( النقاط المُنكشِفة!)
إبليس عليم بنا بدرجة مرعبة و مُتخصِّصٌ فينا بدرجة استثنائية ، هو عليمٌ بدوافعنا ، بنوازعنا ، بحاجاتنا، بآمالنا ، بآلامنا ، بطموحاتنا ، بأطماعنا ، بوجوه خسارتنا، بعلاقاتنا، وبتحالفاتنا .
ولعله الان أقرب ما دار في خاطرك أنك كيف تعرف عدوك (إبليس) كما يعرفك هو ، في الحقيقة أنت لاتحتاج أن تعرف إبليس هذا العدو الأزلى حتى تنجو منه وتنتصر عليه في معركته ، فقد أنت تحتاج أن تعرف نفسك ، فإذا عرفتها أبطلت سلاح إبليس ، لابد أن تعرف ذاتك ونفسك ، رحم الله إمرأً عرف قدر نفسه ، أن تعرف ضعفك ، نياتك ، قصدك ، أهدافك ، رغباتك ، شهواتك ، آمالك ، طموحاتك ، انكساراتك ، إبليس عليه لعنة الله يخشى هذه المعرفة ويُحاوِل أن يقطع عليك كل السُبل في أن تعرف ذاتك ، يقطع كل مُحاوَلات الإقتراب من الذات.
فإذا عرفت هذا وأمعنت في تعميق هذه المعرفة فسوف تُصبِح كياناً حقيقياً ، بغير تلك المعرفة للنفس ، إنتظر أن يلعب بك ، بل من السهولة توظيفك حيث يشاء ، فربما صنع منك صنماً يعبده الآخرون .
أنت لن تعرف ذاتك إلا في ساعة تدبر مع النفس ، ساعة إنسحاب من ركد الدنيا وشواغلها ، ساعة سكون وهدوء تًخاطب فيها نفسك تكلمها وتعرفها .
إبليس لا يُحِب أن يخلد المرء إلى الهدوء و إلى السكون ، لايحب أن ينسحب من المُجتمَع ، ينسحب من الجماعة ، من الناس ، ساعة في اليوم يجلس فيها لحظة صدق مع النفس – يُحاسِب نفسه، يُكاشِفها ، هذه الطريقة من المعرفة هى الطريق إلى الله وهي وعي بالذات ، لذلك إبليس لا يُحِب هذه الساعة ، لايحب ساعة التدبر والسكون لايحب المكاشفة مع النفس لايحب الهدوء بل يحب أن يجتمع اثنان أو ثلاثة ، يتحدَّثون حديث لا طعم له ولا مذاق! حديث باهت وتافه ، تتضيع وقتل للوقت، لكنه أفضل من السكون ، أفضل من الهدوء، أفضل من أن تجلس وتتفكَّر في نفسك ، ولوساعة كل يوم وليلة ، تحاسبوا فيها أنفسكم ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن عليكم ، لقد حث الله أهل الإيمان على محاسبة نفوسهم والتأمل فيما قدموه لأخراهم فقال سبحانه وتعالى {“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وهو تعبير كذلك ذو ظلال وإيحاءات أوسع من ألفاظه ، ومجرد خطوره على القلب يفتح أمامه صفحة أعماله بل صفحة حياته ، ويمد ببصره في سطورها كلها يتأملها ، وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته لينظر ماذا قدم لغده في هذه الصفحة ، وهذا التأمل كفيل بأن يوقظه إلى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير مهما يكن قد أسلف من خير وبذل من جهد، فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلاً ورصيده من البر ضئيلاً ؟! إنها لمسة لا ينام بعدها القلب أبداً، ولا يكف عن النظر والتقليب).(الظلال)
ويقول الله – عز وجل – في وصف المؤمنين الذين يحاسبون أنفسهم عند الزلة والتقصير يرجعون عما كانوا عليه {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُون}
وقد روي عن الإمام أحمد أن وهب بن منبه قال مكتوب في حكمة آل داود : حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يتخلى فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات، وإجماماً للقلوب

فكلما عرفت نفسك أكثر كلما حاسبت نفسك أكثر تحصَّنت أكثر واكثر ضد ابليس ومصائده ، كلما عرفت ذاتك أكثر صرت منيعاً أكثر ، أصبحت ذات مُقابِل ذات، كيان إنسانى أمام كيان اخر، أصبحت منظم أكثر واثق من نفسك واهدافك ، تعرف رغباتك ، إبليس لايحب ذلك ، هو يُحِب التفكير المُشوَّش والمُرتبك ولايحب التفكير المُنضبِط الدقيق المُمنهَج.