⁩ حكم إمامة العاجز بالناس والاقتداء به

FB IMG 1601387245165

⁦⁩ بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

⁦⁩ مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

السؤال: هل تصح إمامة العاجز عن الركوع أو السجود؟

الجواب :

اختلف العلماء في جواز صلاة الإمام جالساً إذا كان مريضاً أو عاجزاً عن القيام وخلفه من هو صحيح .

والصواب في ذلك جواز إمامته وصحة الاقتداء به .

ويدل على ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :

( إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ )..

رواه البخاري (722) ومسلم (417) .

وينبغي أن يعلم أن المسألة التي سألتها ليست هي المسألة السابقة ، فذلك الإمام الذي صلى بكم هو قادر على القيام ، وقد صلى قائماً ، ولكنه عاجز عن الركوع والسجود ، وهي مسألة أخرى .

وقد اختلف العلماء في حكم الصلاة خلف العاجز عن الركوع والسجود .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع” :

” مسألة :

العاجزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ والقعودِ ؛ هل تصحُّ الصلاةُ خلفَه ؟

سبق أنَّ المذهبَ :

لا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَه إلا بمثلِه .

ولكن الصحيحَ : أنَّ الصَّلاةَ خلفَه صحيحةٌ ؛ بناءً على القاعدةِ :

“أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّتْ إمامتُه إلا بدليلٍ” .

لأن هذه القاعدةِ دلَّت عليها النصوصُ العامةُ ؛ إلا في مسألة المرأةِ ، فإنَّها لا تصحُّ أن تكون إماماً للرَّجُلِ ، لأنَّها مِن جنسٍ آخرٍ .

وأيضاً : قياساً على العاجزِ عن القيام ، فإنَّ صلاةَ القادرِ على القيامِ خلفَ العاجزِ عنه صحيحةٌ بالنصِّ ، فكذلك العاجزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ .

فإن قال قائل : إنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال :

( إذا صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً، وإذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون ) ولم يقلْ : إذا صَلَّى راكعاً فاركعوا ، وإذا أومأ فأومِئوا ؟

قلنا :

إنَّ الحديثَ إنما ذَكَرَ القيام َ؛ لأنه وَرَدَ في حالِ العجزِ عن القيامِ ، فالرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم خاطَبهم حين صَلَّى بهم قاعداً ، فقاموا ، ثمَّ أشارَ إليهم فجلسوا ، فلهذا ذَكَرَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم القيامَ كمثالٍ ؛ لأن هذا هو الواقع .

فعليه نقول :

إنَّ القولَ الراجحَ:

أنَّ الصلاةَ خلفَ العاجزِ عن الركوعِ صحيحةٌ ، فلو كان إمامُنا لا يستطيع الرُّكوعَ لأَِلَمٍ في ظهرهِ صلّينا خلفَه .

ولكن ؛ هل إذا رَكَعَ بالإِيماءِ نركعُ بالإِيماءِ ؟ أو نركعُ ركوعاً تاماً ؟

الظاهر :

أننا نركعُ ركوعاً تامًّا ؛ وذلك لأنَّ إيماءَ العاجزِ عن الرُّكوعِ لا يغيرُ هيئةَ القيامِ إلا بالانحناءِ ، بخلافِ القيامِ مع القعودِ .

وأيضاً:

القيام مع القعودِ أشارَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عِلَّتِه بأنَّنا لو قمنا وإمامُنا قاعدٌ كنَّا مشبهين للأعاجمِ الذين يقفون على ملوكهم .

ولهذا جاءَ في بعضِ ألفاظِ الحديث:

( إنْ كِدْتُم آنفاً لتفعَلُونَ فِعْلَ فارسَ والرُّومِ ، يقومونَ على مُلُوكهم وهم قُعودٌ ، فلا تفعلُوا ، ائْتَموا بأئمتِكُم ، إنْ صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً ، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً ) .

فإذا كان إمامُنا قاعداً ، ونحن قيامٌ ، صِرنا قائمين عليه ، أما الرُّكوع ، إذا عَجَزَ عنه وأومأ وركعنَا فإننا لا نُشبه العَجَمَ بذلك .

وكذلك في العَجْزِ عن السُّجودِ ، الصحيحُ : أنه تصحُّ إمامةُ العاجزِ عن السُّجودِ بالقادرِ عليه ، وهل المأمومُ في هذه الحالِ يومئُ بالسُّجودِ ؟

الجواب: لا ، بل يسجدُ سجوداً تاماً .

وكذا العاجزُ عن القعودِ ، نصلِّي خلفَه مع قُدرتِنا على القعودِ ، كما لو كان مريضاً لا يستطيع القعودَ ويصلِّي على جنبِه .

ولكن هل نضطجعُ ؟

الجواب : لا ، لأنَّ الأمرَ بموافقةِ الإِمامِ إنَّما جاءَ في القعودِ والقيامِ ، وعلى هذا ؛ فنصلِّي جلوساً وهو مضطجعٌ ، وكذلك لو عَجَزَ عن القعودِ بين السجدتين مثلاً ، أو عن القعودِ في التشهُّدِ فإننا نصلِّي خلفَه .

إذاً فالصحيحُ : أننا نصلِّي خلفَ العاجزِ عن القيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ والقعودِ .

وهذا القولُ هو اختيارُ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله .

وهو الصحيحُ ؛ بناءً على عموماتِ الأدلةِ كقوله صلّى الله عليه وسلّم : ( يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله )..

وعلى القاعدة التي ذكرناها وهي : أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّت إمامتُه “..

انتهى من “الشرح الممتع” (4/236-238) .

وسئل الشيخ أيضاً :

دخلت مسجداً وقت صلاة المغرب وتقدم رجلٌ ليصلى بالجماعة وعند سجوده مد رجله ولم يسجد على الأعضاء السبعة ، علماً بأن ركبته وقدم الرجل لم تقع على الأرض ، فما حكم من صلى خلف هذا ؟

فأجاب :

” هذا الإمام عاجزٌ عن السجود على الوجه المطلوب …

وقد اختلف العلماء فيما إذا كان الإمام عاجزاً عن ركن هل يجوز أن يكون إماماً للقادر عليه ؟

والصحيح أنه يجوز أن يكون إماماً للقادر عليه ؛ وذلك لأن هذا الإمام العاجز يسقط عنه ما عجز عنه ويكون كأنه أتى به …

لكن ينبغي أن يلتمس إمامٌ غيره قادر على فعل الأركان والقيام بالشروط ؛ لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة “..

انتهى باختصار من “فتاوى نور على الدرب” (182/21) .

وعلى هذا ، فالذي فعلته ، وهو عدم صلاتك خلف هذا الإمام العاجز عن الركوع والسجود والجلوس هو قول لبعض العلماء ، والأصح : أنك كنت تصلي خلفه ، وصلاتك صحيحة إن شاء الله تعالى .

والله أعلم.