حول تدريس الفنون لطلاب الجامعات..

15589757 10211765748957865 8551319029657914437 n

بقلم د. :كرم عباس

أقر المجلس الأعلى للجامعات تدريس مقررات الفنون المختلفة كالتمثيل والمسرح والفنون التشكيلية وغيرها للطلاب. ورحب بعض الأساتذة بهذا القرار، وتحفظ عليه البعض الآخر من أساتذتنا أيضًا. ومن خلال تجربتي في معايشة مواهب الطلاب لسنوات، أود أن أسجل الملاحظات الآتية لوجه الله تعالى، عسى أن تفيد أيًا كان:

66147177 10220052105831608 9129923938019704832 o

أولاً: القرار في فحواه ومقصده جيد، ولا شك في أن الفن يرتقي بذهنية الطالب، وروحه. فليس الهدف من القرار تعليم الفن وممارسته باحترافية، فهذا موجود في كليات متخصصة ومعروفة، وإنما الهدف هو ممارسة الموهبة، وتفريغ لطاقة هائلة، وتكوين شخصية، وتنمية وعي.

ثانيًا: الفن ضرورة في ثقافة تزخر بالتعصب بأشكاله المختلفة، وهو وقاية ضد التطرف، وحماية لنفوس الشباب من أن تكون بيئة لأفكار خطيرة وهدامة للمجتمعات.

ثالثًا: هناك فارق كبير في المعنى والمغزى بين نشر الثقافة الفنية والتشجيع على ممارسة الموهبة من جانب، وبين تحويل الفن إلى مقرر دراسي من جانب آخر، فليست المشكلة في القرار بقدر التخوف من أن يتحول الفن التشكيلي على سبيل المثال إلى مقرر يحفظه الطالبة أو الطالب دون أن تكون له رغبة، أو يُخلق لديه شغف، أو حتى يقوم بالرسم لمرة واحدة.

رابعًا: فكرة المقررات في الفنون مزعجة للغاية، وهذا أمر يعرفه كل من قرأ كتب في الفن محاولاً التعلم منها. ومع غياب الأدوات والآلات اللازمة للنشاط، فإنه للأسف سيكون الكتاب النظري هو الحل الوحيد.

خامسًا: التخوف من التنفيذ وليس القرار، والسؤال عن المنفذين هو سؤال مشروع وفي غاية الأهمية. فأساتذة الفنون يأتي إليهم الموهوبون بالفعل ومن لديهم شغف التعلم، لكن هل سيكون الأساتذة قادرين على خلق شغف في طالب ينظر إلى الفن نظرة ازدراء أو احتقار أو تحريم، أو كل ما يهمه الحصول على الدرجات فقط؟

وأذكركم وأذكر نفسي مرة أخرى بأن القرار جيد، ويجب الحفاظ عليه وتدعيمه، لكني أتخوف من أن القرار وتنفيذه هو بين أيدي أساتذة أجلاء أفاضل وهبوا حياتهم للعلم فوصلوا إلى مناصب علمية رفيعة، وفي الغالب كان عليهم أن يتخلوا عن ممارسة مواهبهم في مرحلة شبابهم، وبالتالي سيكون من العسير عليهم التفكير في آليات إنماء المواهب وروح الفن إلا من خلال التحكم في الطلاب بالدرجات، وهذا أمر غير مجدي تماما بالقياس إلى هدف القرار، فهل يمكن أن (نعطي العيش لخبازه) وأن نفكر خارج الصندوق، وأن يوكل التفكير في التنفيذ لمن هم خارج السياق الأكاديمي بأكمله من شباب الفنانين؟

سادسًا: في وجهة نظري المتواضعة والتي لا تعرف تفاصيل القرار أو آليات تنفيذه، أرجو التخلص تمامًا من فكرة الكتب المقررة، ومن فكرة الدرجات، وأن يكون الأمر أشبه بالدورات التي لا يحصل فيها الطالب على شهادة تخرجه إلا بعد أدائها (مثل الدورة العسكرية على سبيل المثال)، وأن تكون هذه الدورات أو (المقررات) عبارة عن مشاريع يشارك فيها الشباب مع فنانين شباب مثلهم، فلو تعاونت المحافظات مثلا مع الجامعات في تجميل مكان معين، وأوكل هذا المشروع إلى فنان شاب لا ينتمي للمجال الأكاديمي، ووفرت له المحافظة الأدوات، ووفرت الجامعة الطلاب كمساعدين له، ربما ينتقل شغفه إليهم وتتحقق الفكرة من وراء القرار، وهو الأهم.

التخوف من أن تتحول فكرة هامة جدا، إلى مجرد مقرر دراسي في كتاب عقيم التأليف والشرح، يحفظه الطلاب عن ظهر قلب، خوفًا من النجاح أو الرسوب، دون أن يتسلل الفن إلى أرواحهم. والحل في وضع آلية يمارس فيها الطلاب الفن دون جبرية أو كراهية، وأن يستمتعوا بما سيقومون به، لأنه لو غابت المتعة لما بات هناك معنى للقرار ذاته، بل وربما يأتي بنتائج عكس التي صدر لأجلها.

وبالتوفيق للجميع