قصة قصيرة “البغل والحمار مع الذئب والثعلب المكار “

75339688 2838128659532016 5909030849243774976 n 1

بقلم / على حزين

يحكى أن في غابر الأزمان , خلت إحدى الغابات من الأسد , ولا أحد يعرف لماذا , أو ما السبب, غير أن الأقاويل كثرت , وانتشرت الشائعات انتشار النار في الهشيم قالوا..” مات “.. وقالوا ..” لم تعجبه أوضاع الغابة , من قلة الماء , وحيوانات ” وقالوا ” اختلف مع ابن عرس , لأنه تدخل في غير اختصاصاته , ولم يرجع إليه ولم يوقره ” .. وقالوا غير ذلك , لذلك ترك الأسد الغابة .. واعتزل الحيوانات .. واستكفى بما لديه من خبرات ……
وفي ذات صباح , وعلى عجلٍ اجتمعت الحيوانات , في وسط الغابة , عند بركة الماء , ليناقشوا بينهم ألأمر , فقال واحد منهم ..
ــ الأمر خطير , وجلل , والغابة أصبحت في خطر , وأي خطر , كل ما فيها مهدد بالفناء , أو الاختفاء , وصارت مطمع لكل من هب ودب من الغرباء ..
وقال الأخر : وهو يعبث بلحيته الكريهة ,
ــ إذاً اجمعوا أمركم يا قوم , ورشحوا واحداً من بينكم , لنسد به هذا الخلل ..
فتقدم جحش كبير , من بين الحاضرين , رفس برجليه , وهز رأسه بيديه ,
وقال : أنا لها , سأرشح نفسي رئيساً للغابة ..
فنظر القوم له بسخرية , وغرابة , وقالوا له , بعدما هزوا رؤوسهم , وضحكوا منه في سرهم ,
ــ طبعاً هذا من حقك , كما هو من حق الجميع من في الغابة , ومن يجد في نفسه القدرة والكفاءة ,
وصمت الجميع برهة .. وهدأت الغابة , وسكنت , إلا من القرود , والنسانيس .. والشمس كانت تلهو مع أغصان الشجر.. وبركة الماء تعكس الوجوه , والصور .. وأشجار الغابة يتساقط منها الثمر .. والطيور في سماء الغابة تحلق …
ثم نصرف الجميع على موعد .. ومرت فترة من الزمن , والغابة فيها كئيبة , ولا يأمن أحداً على نفسه , والكل على أحر من الجمر ينتظر ….
وفي يوم أغبر لم تطلع له شمس , تفاجأ الجميع بأن الحمار, قدم نفسه للانتخابات أمام البغل , بعدما نفس ابن عرس سارق الدجاج , في أذن الحمار, وأقنعه بأن يرشح نفسه , فهو على حد زعمه , لا أقل من هذا الجحش المتهور.. وقال له :
ــ لا , لا تدعها له , ورشح نفسك , فأنت أحق بها منه , وأنا معك , وسأدعمك وكبرت في رأس البغل والحمار المسألة , حتى صرح كلاً منهما ذات مرة , وقال : ــ لا يصلح للغابة رئيساُ , وملكاً إلا أنا “..
وأعلنوا في الغابة عن موعد للانتخابات , وقدم الجحش برنامجه الانتخابي عبر وسائل التواصل الاجتماعي , وكان مما قال في برنامجه الانتخابي ..
ــ أنا سأحترم الجميع , وسأحملهم فوق ظهري , وسأجعل كل سكان الغابة , يعيشون في رغد من العيش , وسعادة يحسدهم عليها الجميع , وسيحلفون بحياتي
وجاء الموعد للتصويت , وفتحت اللجان للانتخابات , ومرت الساعات وراء الساعات, واللجان خاوية على عروشها , فلم يحضر غير بعض الحيوانات , من المنتفعين , والشامتين في الأسد , وبعضهم حضر على مضض , وبعضهم حضر خوفاً على الغابة من الضياع , وعلى أمل أن تستمر الحياة , ولا يتوقف الصخب في الغابة , إلا أن النصاب لم يكتمل , واختلف الجميع , والمسئول عن النظام , تزمر , وتململ , حتى قال القائمين على التنظيم , والمنيبين عن المسئولين
ــ النصاب غير قانوني يا جماعة , ويجب تأجيل الانتخابات حتى يكتمل النصاب ,
وانصرف الجميع على وعدٍ باللقاء مرة أخرى , ……
ومرت أسابيع , وأيام , والغابة تعيش في سلام , ووئام ,
وعلم الأسد بالخبر , فلم يعرف أحداً ماذا فعل , ربما فرح , ربما غضب , ربما كان لا يهمه , ولا يعنيه الأمر .. وربما كان ينتظر ..وربما كان في شغلٍ وأمر ..
وجاء يوم الإعادة , وكانت المفاجأة متوقعة وزيادة .. لم يحضر أحداً اللهم إلا بعض الحيوانات , واختلف الجميع مرة ثانية , ودخلوا في مشدات كلامية , بين خذ وهات , وتلك حيل ودسائس ومؤامرات , فقال المسولين عن قانون الغابات
ــ يا حضرات قانون الغابة وكل الغابات في حالة عدم وجود الأسد ملك الغابة , أو في حالة غيابه لأى سبب من الأسباب , يترشح أحد الحيوانات , وتجرى انتخابات , وفي حالة وعدم اكتمال النصاب , لابد من تعين رئيساً بالتذكية من قبل السلطات المختصة , والمختصين بقانون الغابات , ويحتم علينا استبعاد كُلا من المرشحين للانتخابات ” ….
وهنا رفض البغل , ونهق الحمار , ودخلوا مع بعض في حوارات , ومخاصمات لكن جميع الحيوانات وقفوا, وصفقوا , وهللوا , ووافقوا على هذا القرار بالإجماع وانتظرت الغابة أياماً , مرت عليهم في خذ وهات , بين حكايات , وروايات , وأخيراً , بعد حواراتٍ , واتصالاتٍ ” وحبشتكنات , وبشتكنات ” استقر الرأي من قبل السلطات على الذئب يكون رئيساً للغابة , والثعلب المكار سكرتيراً بالإجماع , ففرح الجميع وهللوا , وكبروا , وأقاموا الولائم , والأفراح , والليالي الملاح , وأمَّل الجميع فيهما خيراً …..
ودخل ” الذئب ” عرين الأسد الضرغام , يقدم قدماً ويؤخر قدم , وهو خائف يرتعد , غير مصدق بأنه في عرين الأسد , وراح يضرب أخماساً في أسداس , وهو يقول في نفسه ليشجع نفسه بنفسه ..
ــ لماذا أنا خائف , ومن أي شيء أنا أخاف .. وقد أصبحت ملك الغابة , ورئيساً بالإجماع , فإن كان الأسد له أنياب فأنا لي أنياب , وإن كان الأسد قوي فأنا قوي وإن كان الأسد مفترس , فانا أيضاً مفترس , وقد اختاروني رئيساً بالإجماع ..
ثم أخذ دُش ساخن , ولبس ثياب العظمة , وأبرم أشنابه , ونظف أنيابة , وسرح شعره , ومسح بأظافره على رأسه .. وجلس في مكان الأسد , ينتظر الوفود الآتية إليه , لتبارك له , وتهنئ , فدخل عليه , الثعلب المكار, وفي صحبته بن عرس ومعه بعض ” الثعالب” ووفود من القرود , والنسانيس , وديدان الأرض وراحوا يباركوا , ويهنئوا , ويثنوا , ويُطري , ويَنفُخ في الكير , ويعددوا له بطولاته , وأمجاده , والذئب , فتحاً أنيابه , في تِكيَته سعيداً , يُحيي جمهوره , ويلوح لهم باليد , والثعلب المكار في الثناء عليه يزيد , فقام الذئب , واختال في مشيته وتبختر , ليظهر للجميع بما فيهم الثعلب المكار عضلاته وقوته , ثم قال :
ــ اسمع يا سكرتيري العزيز , أنا أريد أن تدير لي الجلسة , ولا تنسى الأحبة ,
فقام الثعلب , لف ودار , وبمكره الغدار سريعاً أخذ زمام الحوار , وقال :
ــ الغابة لم تشهد عهد كعهد سيدي , الذئب , ولم تشهد رخاءً مثل هذا الرخاء , ألم تروا السماء منذ تولي سيدي الزعامة والخلافة كل يوم تمطر علينا , وتهلُّ من كل الغابات وفوداً جديدة علينا , وهذا اليوم يوم عيد لأنَّا في ضيافة سيدي الزعيم,
وظل يتشدق , ويتقعّر , ساعتان أو يزيد , والذئب ينظر إليه بنصف عين , والعين الأخرى على الضيوف , والوفود , وحيوانات الغابة مغلوبة على أمرها , وانتهي اللقاء , بوليمة كبيرة , قدموا فيها بعض العجول , على بعض الحمير , والبغال , فأكلوا وشربوا , ثم انصرفوا , ………..
وباتت الغابة تغلي , وكل من في الغابة يهري , معترضين على ما حدث , وما صار , وما كان .. ” كيف يأكل غيرنا خير جزيرتنا , ونحن أبناء الغابة ننام على لحم بطون , خاوية أمعائنا ”
وهنا غضب الجحش , وتقدم للذئب باستفسار في التماس , وطلب الوضوح والشفافية ” ,
فغضب الذئب وثار , وكأن برج من عقله فر وطار , وقال ـ الغابة أحسن غابة , الكل عندي سواء كأسنان المشط , وفي العدل الكل عندي سواء , والمساواة في الظلم عدل , والشفافية عندي شيء أساسي ومطلوب , وكل شيء أمامكم سيكون كما وعدتكم , وبعد أن فرغ من كلامه , مع البغل في حضور ابن عرس , وبعض الحيوانات , ثم طلب من سكرتيره اجتماع طارئ , وفي الحال , وأن يدعوا إليه كل حيوانات الغابة .. فقال له , الثعلب المكار ……….
ــ كما تحب يا ملك الغابة , أأمر أمرك مطاع
فقال له اعقد لي فوراً اجتماعاً , أريد أن ألتقي برعيتي , أريد أن أسمع منهم مطالبهم , وأطلعهم علي خطتي , فقال له
ــ سمعا وطاعة يا مولاي
ثم خرج من عنده , بعدما قدم له الثعلب المكار , الجحش مع الحمار , كان قد جاء بهما إليه بحيلة ماكرة , بعدما أقنعهما بأن ملك الغابة يريدهما بأن يساعداه في حكم الغابة , وما دروا بأنهما هدية له , ليتعشى بهما
وفي الصباح جاء الثعلب المكار , للذئب , في عرينه ليخبره أن كل شيء تمام التمام , وأهل الغابة ينتظروه على أحر من الجمر , عند بركة الماء .. بجوار فدادين الموز , والبرتقال .. فحضر الذئب وهو يتهادى في مشيته , يعوى , ويهز زيله , وكان الكل في انتظاره , في الاجتماع المعتاد , عند البركة , في وسط الغابة .. جلس الجميع , وكان على رؤوسهم الطير , والشمس تختبئ خلف السحاب .. والغابة يكسوها الحزن , جلس الذئب مكان السبع , وبجواره الثعلب المكار , وهنا فرد أوراقه أمامه , وراح يرغي ويزبد , والكل يستمع له في صمت وسكون , والكل مغلوب على أمره , فقد اشترى الذئب بعض الحيوانات , وأغدق عليهم بسخاء , والبعض الأخر مثل الدود والحشرات ضعيف بطبعه , وانفض المجلس كسابقه , دون أن يفتح واحداً فمه باعتراض, وعاد كلاً على ما كان عليه
وفي إحدى الليالي الدهماء , أخذ الثعلب المكار , كنز الغابة وهرب , بعدما ضحك على الذئب , ورشاه ببعض الحيوانات في الخفاء .. لكن البغل رآه , فأخبر من في الغابة بما سمع ورأى , فانقسموا على بعضهم , بين مؤيد ومعترض , وبات كل فريقٍ منهم يتهم الأخر , ويخوّن , ويعتب عليه , ويلومه , ودارت بينهم حوارات جانبية , ثنائية , وثلاثية , ورباعية , وابن آوي , يسترق السمع إليهم , لينقل لابن عرس ما دار بين الحيوانات , وما كان بينهم من حوارات .. واكتشف الجميع من أحد المقربين من الذئب .. بأن الضبع مستاء جداً من الذئب .. لكن لا يستطيع أن يواجهه لوحده .. وطلب منهم بأن يتحدوا معه .. لأنه اكتشف خيانة , الثعلب المكار , وبأن الثعلب المكار يتجاهلهم , ويلمع بني جدلته , والغرباء , وعليهم يقدمهم , ولا يلمع سيدهم , وهو من عليهم قدمه , وهذا كان غير منتظر منه ..
وهنا رفس البغل , ونهق الحمار , وصرخت القرود بضحكات هستيرية , وطارت العصافير فوق الأغصان , وراحت الشمس تختبئ خلف الجبال , وأقبل الليل .. وحل الظلام .. وهنا طلب جميع الحيوانات , تقديم مظلمة في مذكرة , يذكر فيها كل الاعتراضات والمخالفات التي حدثت في الغابة , منذ جلس الذئب مكان السبع , والاعتراض على الثعلب المكار .. وتقدم الشكوى للذئب الذي استبدلوه بالسبع .. عند بركة الماء في وسط الغابة .. عند أول لقاء .. وذلك حين يجلس الذئب في عرين السبع …