حال لبنان في ظل عهد الرئيس ميشال عون يسير إلى الخلف سريعاً، لا مجال أمام اللبنانيين لوقف الانهيار الحاصل بأي شكل من الأشكال، ولذلك هم نزلوا للتظاهر منذ نحو 100 يوم، حيث قدموا نموذجا مسالما في مواجهة فساد السلطة بكل أنواعها، وتعرضوا للاعتداء من عناصر تابعين لحزب الله، وهددوا واتهموا بالخيانة واستمروا بالسلمية، ولكنهم – أي المحتجين – لم يجدوا من السلطة إلا القمع الذي يزداد كل مرة.
بعد الأشهر الثلاثة على الثورة ازداد الفقر، وازداد عدد المؤسسات الخاصة التي تقفل أبوابها، وتفصل موظفيها، فيما المصارف تمنع عن الناس أموالهم التي وضعوها تحت عنوان “خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود”، وجاء اليوم الأسود وصارت أموالهم بخبر كان، فاشتعلت التحركات “العنفية” في محاولة من الناس للحصول على ما يسد رمق العيش مع ارتفاق أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية إلى أكثر من 40%، عدا عن ارتفاع أسعار العملات الصعبة بنفس النسبة.
الحكومة التي يقودها عون بالشراكة مع ميليشيات حزب الله قررت مواجهة المحتجين بالرصاص المطاطي الذي يحوي قطعاً معدنية، عدا عن الغاز المسيل للدموع الذي تحول إلى غازات سامة وفق ما يقول المحتجين، وأسفرت عن إصابة أكثر من 500 شخص بجروح.
وبعد الاجتماع الأمني بين وزيري الدفاع والداخلية في وزارة تصريف الأعمال، بالإضافة إلى قادة الأجهزة الأمنية أفاد مصدر حكومي للصحفيين، بأن “المجتمعين تحدثوا عن وجود مندسين في صفوف المتظاهرين يلجأون إلى أعمال شغب والاعتداء على القوى الأمنية”. هذا الكلام الذي يحاول توجيه الاتهام للمتظاهرين بالتسبب بالأزمة، يأتي فيما وصف بمرحلة جديدة تقوم بها السلطة تحضيراً لعملية قمع ضخمة تؤدي إلى تراجع التظاهرات، وتمرير حكومة حزب الله برئاسة حسان دياب تحت اسم “حكومة تكنوقراط”، ولكنها بكل الأحوال حكومة مواجهة تابعة لإيران في مواجهة الداخل والقضاء على التحركات الاحتجاجية، ومواجهة الحاضنة العربية والدولية من خلال جر لبنان إلى المظلة الإيرانية بالكامل.
الأيام الماضية شهدت المواجهات الأعنف، لتستخدم فيها قوى مكافحة الشغب الرصاص المطاطي وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين رشقوها بالحجارة والمفرقعات النارية في محيط البرلمان وسط بيروت.
تحميل الحكومة للناشطين والمتظاهرين مسؤولية المواجهات، دفع كثيرين إلى التنبيه من خطة قمعية تحت اسم التخلص من “المندسين”، وهو ما دفعهم إلى إطلاق وسم #أنا_مندس رداً على حملة متوقعة خلال الساعات المقبلة، يقودها الأمن اللبناني بعد قيام عناصر حزب الله بجمع المعطيات الكاملة عن محركي التظاهرات، وتصويرهم بالإضافة معرفة عناوين منازلهم، وأماكن اجتماعاتهم.
ليالي إطلاق الرصاص المطاطي على المحتجين شهدت مشاركة قناصين تابعين لحزب الله وحركة أمل بإطلاق النار من على سطوح الأبنية المحيطة بمجلس النواب، حيث كانوا يختارون أهدافهم بعناية لإطلاق الرصاص على أعين المحتجين المعروفين، ما أدى إلى فقدان عدد منهم لأعينهم، وخصوصاً ليلة الأحد الإثنين. الناشطون ردوا على وسائل التواصل الاجتماعي بنشر صور لهم مع تغطية كل منهم إحدى عينيه بيده مرفقة بوسم #ثورتنا_عيونكم.
تشكيل الحكومة الجديدة كما يبدو يعيش عثرة الخلافات والانقسامات بين القوى السياسية المتحالفة مع حزب الله حول شكلها وتقسيم الأكثرية بها، فالخلاف كبير بين جبران باسيل “صهر عون” وبين سليمان فرنجية، للحصول على مقعد إضافي في مجلس الوزراء العتيد، حيث يتوقع حزب الله لحكومته أن تبقى طويلاً في الحكم لما بعد نهاية حكم ميشال عون، من دون إمكان إجراء انتخابات نيابية، ما يعني أن من لديه الأكثرية الوزراية يستطيع تمرير قانون انتخابي، يمكنه من وضع الأكثرية المناسبة له لطرح نفسه لانتخابات الرئاسة.
الخلاف كما يبدو أيضاً يتعلق بمن هو القادر على التزام خطة حزب الله في مواجهة الداخل والخارج، وهذا ما يطرح علامات على من سيواجه العقوبات الدولية التي يحكى أنها ستطال وزراء وسياسيين وضباطاً أصدروا أوامر لإطلاق النار على المحتجين، أو غطوا على عناصر “أمل” وحزب الله في استعمال أسلحة تعتبر محرمة في دول أوروبية عدة.