بقلم : عزة محمود
إن دراسة الآثار العربية الإسلامية تمثل رافدًا من روافد التراث، وتجسيدًا لذاكرة التاريخ العربي الإسلامي بفلسطين. ونتيجة للصراعات التي نشهدها في تلك الآونة لطمس معالم الهوية الفلسطينية؛ نجد أن الأمر قد بات مُلحًا لإبراز حقائق الملامح العربية، والقسمات الإسلامية لمدينة من أهم المدن الفلسطينية علي الإطلاق؛ ألا وهي”مدينة غزة”وما حولها بالصور والدلائل التي تقودنا إلى مستقبل الإنسان العربي لتخبره عن أمسه كيف كان؟ وغده كيف سيكون؟ كي نعطي الحياة فرصة الوصل والتواصل، وإيمانًا منا بأن الكلمة ترتبط بالصورة؛ فتعطينا ذاكرة بصرية نورثها للأجيال؛ لذلك نسعى لأن نجعل العين والأذن هما الشاهدان والدليلان على هويتنا، وأن ننقل للأجيال القادمة ذاكرة عن الوطن لا تمحوها محاولات شيطانية تسعى لتمزيق هويتنا الوطنية.
وتكشف لنا الآثار الإسلامية القابعة بضواحي غزة “الهوية العربية” وتميط اللثام عن ما خفي عنا، بل بالأحرى أن نقول: ما يحاول الكيان الصهيوني إخفاؤه عن العالم بأسره.
ونقترب رويدًا رويدًا من الصورة التوضيحية الأثرية فنجد بين حنايا الصخور نصوصًا تأسيسية ورسومات ونقوش عربية كعلامات تهدينا للحقيقة دون جدال.
وللتراث البصري قصة ترويها لنا شوامخ البنايات الإسلامية في غزة، قد تتراءي للعين بأنها قليلة العدد إذا ما قورنت بما تلاشى منها علي يد المستعمر الغاشم، لكنها عظيمة القدر؛ لأنها تُزكينا بالسند والحجة ضد من يتجاهلون تاريخ غزة. وهي البرهان الساطع ضد من ينكرون علي فلسطين هويتها، فالمساجد، والزوايا، والخانات، والتكايا، والمدارس، والأسبلة، والقصور، والقيساريات، والبيوت الأثرية؛ هي تراث مقدس وحجة دامغة لكل عربي مسلم يعيش علي تراب تلك الأرض وينتمي إليها.
بدايةً نذكر أن غزة كانت قاعدة الإدارة المصرية منذ العصور الفرعونية، كما وصفها الفراعنة بأنها العاصمة المصرية في أرض كنعان، وقد أطلق عليها “غازاتا Gazata أو غازاتو Gazatu” وقد كشفت الحفائر عن العديد من التماثيل الأثرية والجعارين والأواني والحلي التي تحمل أسماء ملوك الفراعنة مثل: تحتمس الثالث، أمنحتب الثالث، تحتمس الرابع، رمسيس الثاني؛ حتى قدوم الشعب الفلسطيني عام 1200 ق.م لجنوب فلسطين وانصهارهم مع عرب كنعان. كما ترك الاستعمار الفارسي والروماني أثره بغزة متمثلاً في الآثار وشواهد القبور والعملات الأثرية التي حملت اسم غزة.
أما عن غزة المقدسة فقد شرفت بزيارة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين مر بها بإحدى رحلاته التجارية قبل النبوة. وقد تم فتح غزة علي يد عمرو بن العاص عام 634م فأقيمت بها المساجد مثل المسجد العمري الكبير نسبة للخليفة عمر بن الخطاب “رضي الله عنه” وولد بها “الإمام الشافعي”عام 767م الموافق150هجرية. ويقول القلقشندي في صبح الأعشى: “غزة مدينة من جند فلسطين ذات جوامع ومدارس وزوايا وبيمارستانات وأسواق”.
ولقد بلغت غزة أوج مجدها في الحقبة الأيوبية ثم المملوكية وكانت العاصمة الفلسطينية لعدة قرون وتؤكد ذلك الحفريات والعملات العربية المكتشفة.
وتوجد حجارة تحمل نصوصًا تأسيسية تعود إلي عام651هـ بالمسجد الأيبكي، ومسجد الشيخ ركاب عام 661هـ وسبيل الجولاني عام 666هـ.
وكانت المساجد تتخذ كمقر للتدريس والقضاء مثل جامع المحكمة بحي الشجاعية.
وخلال الحكم العثماني بنيت بها القصور والمساجد ومحطات البريد. وقد وصل عدد المساجد إلي 85 مسجدًا، بالإضافة إلى 9 زوايا، 12 مدرسة، 5 أسواق، 6 قصور، ثمان مقابر أثرية تضمها غزة وحدها.
إن كل ذرة تراب بأرض فلسطين تنطق بعروبتها، وكل ما تسجله الدراسات يترصد لمحاولات استلاب وتشويه ملامحنا العربية وستظل أيدي الشرفاء تغمس ريشة القلم بدماء الشهداء لتسجل عروبتنا وحريتنا عبر الأزمنة.