بقلم: رافع آدم الهاشميّ
في الآونةِ الأَخيرةِ، باتَ الحديثُ عن فيروسِ كورونا لا يُفارِقُ أَلسنةَ الكثيرينَ وَ الكثيراتِ، ليتحوَّلَ الحديثُ بشكلٍ تدريجيٍّ إِلى رُعبٍ ينتابُ عدداً غيرَ قليلٍ مِنَ النَّاس في أَكثرِ مِن (30) ثلاثينَ دولةٍ دخلَ إِليها أَشخاصٌ مُصابونَ بهذا الفيروس؛ نتجَ هذا الرعبُ عن اختلاطِ الأَوراقِ لديهِم بينَ قائلٍ بنظريَّةِ المؤامرةِ، بغضِّ النظرِ عن إِيمانهِ بها أَو عدمِ إِيمانهِ بما يقولُ، وَ بينَ قائلٍ شيئاً غيرَ ذلكَ، وَ بينَ كُلِّ هذهِ الأَوراقِ المنتشرةِ هُنا وَ هُناك، يَبرزُ على طاولةِ البحثِ سؤالٌ في غايةِ الأَهميَّةِ، هُوَ:
– كورونا هل هُوَ عِقابٌ مِنَ الله أَمْ صِناعةٌ مِنَ البشر؟
وَ أَهميَّةُ هذا السؤالِ؛ تكمُنُ في الإِجابةِ عنهُ؛ لأَنَّنا حينَ نعلمُ الْمُسبِّبَ، سنصِلُ إِلى اكتشافِ السببِ بسهولةٍ جدَّاً، وَ حينَ نصِلُ إِلى السببِ وَ الْمُسبِّبِ معاً، يمكِنُنا آنذاكَ أَن نقضي على النتيجةِ الّتي هيَ هُنا عبارةٌ عن فيروسِ كورونا، وَ قضاؤنا على النتيجةِ يكونُ عن طريقِ أَحدِ أَمرينِ لا ثالثَ لَهُما مُطلَقاً: إِمَّا بإِزالةِ الْمُسبِّبِ، أَو بإِزالةِ السَبب.
في مقاليَ هذا، سأَتناولُ معك الإِجابةَ عن هذا السؤالِ الْمُهمِّ وفقاً لمنهجيَ الّذي أَعتمِدُهُ في البحثِ وَ هُوَ منهجُ ما وراء الوراء، وَ لكي تتضحَ الإِجابةُ بشكلٍ دقيقٍ، لا بُدَّ لنا أَن نقِفَ على خُلاصةِ تلكَ الأَوراقِ الّتي تمَّ تداولُها عن هذه النتيجةِ، الّتي هيَ: فيروس كورونا.
أَقولُ:
الأَوراقُ الّتي تمَّ طرحُها تندرِجُ تحتَ مُسمِّياتٍ ثلاثٍ، هي:
(1): سياسيِّاً.
(2): إِعلاميَّاً.
(3): طبيِّاً.
فأَمَّا الْمُسمَّى الأَوَّلُ:
سياسيِّاً (لدى عَددٍ مُحَدَّدٍ مِنَ السياسيينَ في دولٍ مُحدَّدةٍ أَيضاً): كورونا هُوَ فيروسٌ مُصنَّعٌ جينيِّاً، أَيّ: أَنَّهُ مُهندَسٌ وراثيَّاً، وَ أَنَّهُ مؤامرةٌ أَمريكيَّةٌ تمَّ تفعيلُها بالمشاركةِ معَ إِسرائيلَ عبرَ تصنيعِ هذا الفيروسِ في معاملٍ خاصَّةٍ توجَدُ في جنوبِ أَفريقيا، وَ قد تمَّ نقلُ الفيروس مِن خلالِ مِئاتِ الجنودِ الأَمريكيِّينَ الّذين شاركوا في دورةِ الأَلعاب العسكريَّةِ في مدينةِ ووهان الصينيَّةِ، حيث تركوهُ في حاضنةٍ خاصَّةٍ ليتمّ وضعُهُ لاحقاً في خزّاناتِ مياهِ الشُربِ الخاصَّةِ بالمدينةِ، إِذ تمَّ استخدامُ المشاركة في دورةِ الأَلعاب المذكورةِ كغطاءٍ لتنفيذِ هذهِ المؤامرة؛ ابتغاءَ تدمير الاقتصاد الصينيّ؛ الّذي تعتبرُهُ أَمريكا الاقتصاد الوحيد الْمُنافِس لها عالميَّاً، وِفقاً للقائلينَ بهذهِ الورقة، وَ الأَقاويلُ الّتي خرجَتْ عبر وسائلِ إِعلامٍ صينيَّةٍ أَكّدَت أَنَّ الجنودَ الأَمريكيينَ الْمُشاركينَ في بطولةِ دورة الأَلعاب العسكريَّة، الّتي استضافتها ووهان شهر أَيلول (سبتمبر) مِنَ السنةِ الماضيةِ (2019) وراءَ انتشار هذا الفيروس، وَ أكّدت تلكَ الأَقاويلُ أَنَّ الولاياتَ المتحدةَ شاركَت بقرابة (693) جنديَّاً في البطولةِ لَم يحقِّقوا ما هُوَ مُعتادٌ مِنَ الفِرَقِ الأَمريكيَّةِ في تلكَ البطولةِ مِن ميدالياتٍ وَ أَلقابٍ، وَ أَنَّهُم قَد جاؤوا لتنفيذِ مهمةٍ أُخرى، وَ أَنَّهُم اِعتادوا على التجوُّلِ في الأَسواقِ وَ منها سوق المأَكولات البحريَّةِ القريب مِن فندقِ إِقامتهِم، مؤكِّدينَ في تلكَ الأَقاويلِ أَنَّ الفيروسَ ظلَّ في فترةِ التكوينِ طيلةَ تلكَ الأَشهُرِ حتَّى بدأَ في الظهورِ بداية شهر كانون الثاني (يناير) من السنةِ الحاليةِ (2020)، وَ نفَتِ الأَقاويلُ نفسُها أَن يكونَ الفيروسُ قَد تسرَّبَ مِن مُختبرٍ بيولوجيٍّ في ووهانَ عَن طريقِ العاملينَ فيهِ؛ لأَنَّهُ انتشرَ بطريقةٍ أُخرى هيَ المأَكولاتُ البحريَّةُ وَ ليسَ عَن طريقِ مياهِ الشُرب.
وَ قيلَ أَيضاً: إِنَّ فيروس كورونا مُخلَّقٌ صناعيَّاً، وَ المخابراتُ الأَمريكيَّةُ وَ كُبرى شركات الأَدويةِ العالميَّةِ، تقِفُ وراءَ هذا التخليق؛ حيثُ تهدفُ الحكومةُ الأَمريكيَّةُ إِلى إِضعافِ الاقتصاد الصينيِّ، وَ تهدفُ شركاتُ الأَدويةِ تلكَ إِلى تحقيقِ الأَرباحِ الماديَّةِ مِنَ اللُقاحاتِ الْمُعَدَّةِ مُسبقاً وَ الّتي سوفَ يتمُّ الإِعلانُ عنها في حينهِ بذريعةِ أَنَّهُ قَد تمَّ اكتشافُها فيما بعدَ انتشار المرض في الصين وَ ليسَ قبله.
وَ أَمَّا الْمُسمَّى الثاني:
إِعلاميَّاً: فيروسُ كورونا هُوَ ناتِجٌ عَن طفرةٍ جينيَّةٍ جعلتهُ خطيراً جدَّاً؛ حيثُ أَنَّ هذا الفيروسَ ناجِمٌ عن اندماجِ الجينِ الموجودِ في الثعابينِ معَ الجينِ ذاتهِ الموجودِ في الخفافيشِ، وَ اكتسبَ القُدرةَ على إِصابةِ الثدييِّاتِ، بمَن فيهِم البشرُ أَيضاً، وَ خاصَّةً مِمَّن هُم مِن عِرقٍ آسيويٍّ، وَ لأَنَّ الصينيِّينَ يأَكلونَ الثعابينَ وَ الخفافيشَ، وِفقاً للقائلينَ بهذهِ الورقةِ، فقَد تمَّت إِصابتُهُم بهذا الفيروسِ الخطيرِ، وَ عَن طريقِهم تمَّ انتقالُ العدوى إِلى الدولِ الأُخرى، لذا فـ: كُلُّ ما هُوَ صينيٌّ فَهُوَ فيروسُ كورونا القاتِلُ الفَتَّاكُ الناقِلُ للعدوى، وَ هذهِ الصورةُ وصلَتْ إِلى درجةِ أَنَّ بعضَ الصُحُفِ الأُوربيَّةِ نشرَت على صفحاتِها عَلمَ الصينِ الأَحمَرِ اللونِ وَ فيهِ فيروساتٌ تاجيَّةٌ خمسةٌ بدلاً عَنِ النُّجومِ الخمسةِ الّتي هيَ في الواقعِ موجودَةٌ فيهِ! مِمَّا أَدَّى لاحقاً بهذهِ الصُحفِ، إِلى اعتذارِ البعضِ منها وَ امتناعِ البعضِ الآخَرِ عنِ الاعتذارِ؛ بذريعةِ حُريَّةِ الصحافةِ؛ بعدَ اعتراضِ الحكومةِ الصينيَّةِ على هذا النشرِ الْمُهين إِلى الصينِ (من وجهةِ نظرِ تلك الصُحُفِ) وَ الْمُهينِ إِلى الصُحُفِ ذاتها مِن وجهةِ النظرِ الواقعيَّة لا إِلى الصين، أَيّ: تمَّ اِستغلالُ الفيروس استغلالاً سافِراً لبثِّ صورةٍ ذهنيَّةٍ سيِّئةٍ تجاهَ الصين.
وَ قيلَ أَيضاً: بل هُوَ في الأَصلِ كانَ سِلاحاً بيولوجيَّاً روسيَّاً إِلَّا أَنَّ أَيدٍ خفيَّةٍ استطاعَتْ إِفلاتهُ مِنَ المعاملِ الروسيَّةِ لتنقلهُ سِرَّاً إِلى المعاملِ الأَمريكيَّةِ الّتي قامَت الأَخيرةُ بدورِها في تطويرِ هندستهِ الوراثيَّةِ حتَّى صارَ جاهزاً للاستخدامِ سلاحاً ضدَّ الصين بشكلهِ الآن.
وَ أَمَّا الْمُسمَّى الثالث:
طبيِّاً (عِلميَّاً وِفقَ شبهِ إِجماعٍ لدى غالبيَّةِ الْمُختصَّينَ): كورونا بشكلها الآن، هُوَ جيلٌ جديدٌ مِنَ الفيروساتِ لَم يتمّ تخليقها جينيَّاً، فَهيَ فيروسٌ طبيعيٌّ؛ إِذ أَنَّ فيروسات كورونا موجودةٌ منذُ عشراتِ السنينِ، وَ الّتي بشكلها الحاليّ هُوَ غيرُ مُخَلَّقٍ جينيِّاً؛ إِنَّما تطوَّرَ وراثيَّاً مِن فيروساتٍ سابقةٍ في السُلالةِ ذاتها إِلى عائلةِ فيروسات كورونا التاجيَّة بشكلها الحاليّ، وَ هُوَ أَحدثُ جيلٍ في سُلالةِ فيروساتِ كورونا، وَ بالتالي فلا هُوَ مُصنَّعٌ جينيَّاً وَ لا هُوَ سلاحٌ حيويٌّ وَ ليسَ هُناكَ مؤامرةٌ مُطلَقاً.
مِن كلِّ ما سلفَ في الأَوراقِ المذكورةِ في أَعلاهُ، نجِدُ صورتينِ للطَرحِ حولَ كورونا، هُما:
(1): نظريَّة المؤامرة، الّتي يستنِدُ أَصحابُها على أَنَّ لا شيءَ يحدثُ مُصادفةً؛ وَ إِنَّما كُلُّ شيءٍ لَهُ ارتباطٌ وثيقٌ بالشيءِ الآخَرِ أَيَّاً كان.
(2): نظريَّة اللا مؤامرة، الّتي يستندُ أَصحابُها على أَنَّ كُلَّ شيءٍ يحدثُ طبيعيِّاً؛ لأَسبابِ طبيعيَّةٍ أَيضاً.
الّذي غابَ عن تفكيرِ الكثيرينَ وَ الكثيراتُ، هُوَ أَنَّ الأَشياءَ الّتي تحدثُ في الكونِ، حتَّى تلكَ الّتي تندرِجُ تحتَ إِطارِ الحدوث الطبيعيِّ، إِنِّما هيَ تحدثُ وِفقَ مبدأ كونيٍّ ثابتٍ لن يتغيَّرَ أَبداً، أَلا وَ هُوَ: السببُ وَ النتيجَةُ، أَيّ: لِكُلِّ شيءٍ سببٌ منطقيٌّ، وَ السببُ يؤدِّي إِلى حدوثِ نتيجةٍ منطقيَّةٍ بطبيعةِ الحالِ، وَ تلكَ النتيجةُ تتحوَّلُ إِلى سَببٍ آخرٍ؛ ينتجُ عنها نتيجةً منطقيَّةً أُخرى، وَ هكذا دواليك، تستمرُّ القِصَّةُ إِلى ما لا نهايةٍ، السببُ يؤدِّي إِلى نتيجةٍ، وَ النتيجةُ تتحوَّلُ إِلى سببٍ فتؤدِّي إِلى نتيجةٍ أُخرى.
هذا المبدأُ الكونيٌّ قَد أَشارَ إِليهِ القُرآنُ الكريمُ صراحةً، بقولهِ:
– {سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً}.
[القُرآنُ الكريم: سورة الأَحزاب/ الآية (62)]
– ما الّذي يعنيهِ هذا؟
يعني: أَنَّ هذا المبدأَ هُوَ ثابتٌ أَيضاً حتَّى لدى أُولئك الّذينَ يؤمنونَ بنظريَّةِ المؤامرةِ، ففي الحالتينِ معاً، سواءٌ كانت هُناكَ مؤامرةٌ، أَو لَم يَكُن لها وجودٌ أَصلاً، فإِنَّ النتيجَةَ ترتبطُ بسببٍ منطقيٍّ، وَ بدونِ وجودِ هذا السببِ المنطقيِّ لحدوثها لَن تكونَ هناكَ نتيجةٌ أَبداً.
– وَ لماذا هذا المبدأُ ثابتٌ في الحالتينِ؟
الجوابُ: لأَنَّهُ {سُنَّةَ اللهِ} الّذي هُوَ عَزَّ وَ جَلَّ خالِقُ كُلِّ شيءٍ في الوجودِ، وَ لأَنَّهُ {سُنَّةَ اللهِ}، لذا: {لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً}، وَ {لَن} حَرفُ نفيٍّ ينفي بشكلٍ قاطعٍ حصولَ شيءٍ مُغايرٍ أَيَّاً كان.
– ما الّذي يعنيهِ هذا؟
الّذي يعنيهِ هُوَ: أَنَّ الْمُسبِّبَ الأَوّلَ لحدوثِ الأَشياءِ هُوَ (الله) عَزَّ وَ جَلَّ؛ لأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِدُ الحقيقيُّ، وَ هُوَ ذاتهُ أَيضاً القادِرُ على تغييرها وَ/ أَو إِفنائها، أَيّ: هُوَ القادرُ على القضاءِ عليها بـ (كُن فيكون).
فإِلى أَصحابِ نظريَّةِ المؤامرةِ، أَسأَلُهُم جميعاً:
– أَليسَ اللهُ قادرٌ على إِفناءِ الّذينَ صَنَّعوا فيروسَ كورونا جينيِّاً لحظةَ التصنيعِ تلكَ؟
إِذاً:
– لماذا تركَهُم اللهُ يُصَنِّعونَ الفيروسَ كما يشاؤونَ؟!
– هل يُريدُ اللهُ مُعاقبةَ الصينيِّينَ بهِ؟!!
– وَ ما ذنبُ غيرِ الصينيِّينَ الّذينَ أُصيبوا بهذا الفيروسِ مِمَّن هُم في أَكثرِ مِن (30) ثلاثينَ دولةٍ من دولِ العالَمِ، بغضِّ النظرِ عن أَعراقهِم أَو انتماءاتهم أَو عقائدهم حتَّى، بمَن فيهِم المسلمونَ وَ المسلمات؟!!!
– أَليسَ اللهُ عادِلٌ لا يظلِمُ أَحداً؟
إِذاً:
– كيفَ يسَمحُ اللهُ للأَمريكيينَ أَو غيرهِم بتصنيعِ فيروسٍ يتسبَّبُ في هَلاكِ عَددٍ غيرِ قليلٍ مِنَ البشرِ بمَن فيهِم المسلمينَ وَ المسلمات؟!!!
– أَليسَ مِنَ الظُلمِ على اللهِ أَن يُعاقِبَ المسلمينَ وَ المسلماتِ بذنوبِ غيرِهم مِنَ الصينيِّينَ وَ الصينيِّاتِ؟!!
ثُمَّ:
– أَليسَ في الصينِ مسلمونَ وَ مسلماتٌ أَصابَهُم وَ أَصابهُنَّ الفيروسُ أَيضاً؟!
وَ كذلكَ:
– أَليسَ في الّذينِ أُصيبوا بهذا الفيروسِ، خاصَّةً مِمَّن توفّاهُمُ اللهُ، أَليسَ فيهِم مِمَّن عملَ صالِحاً وَ إِن لَم يكُن مسلماً قَطّ، وَ في الوقتِ ذاتهِ أَيضاً، لا يزالُ في الأَرضِ أُناسٌ متأَسلمونَ يدَّعونَ الإِسلامَ وَ هُم يعيثونَ فساداً وَ إِفساداً دُونَ أَن يُصيبَهُم الفيروسُ مُطلقاً، فما الّذي يُقنِعُ العاقلينَ في هذهِ الحالِ، بأَنَّ اللهَ ليسَ ظالماً أَبداً؟!!
مُجرَّدُ سكوتُ اللهِ عن هذا التصنيعِ الجينيِّ على أَيدي البشرِ أَيَّاً كانوا، يكونُ مُخلِّاً بالعدالةِ الإِلهيَّةِ؛ لأَنَّ الفيروسَ أَصابَ المسلمينَ وَ غيرَ المسلمين، أَصابَ ذوي العملِ الصَّالحِ غيرَ المسلمين، وَ أَصابَ ذوي العملِ الطالحِ المسلمينَ أَيضاً، فيما تركَ بعضَ المتأَسلمينَ في حالِ سبيلهِم، ناهيك عن أَنَّ في الّذينَ أُصيبوا بهِ قَد تمَّ تعافيهِم بشكلٍ تامٍّ (100%) مائةٌ بالمائة.
– فهلَ مِنَ المعقولِ أَن يكونَ اللهُ ظالماً وَ ليسَ عادِلاً؟!
حاشا اللهُ مِنَ الظُلمِ جُملةً وَ تفصيلاً، وَ تقدَّسَ رَبُّنا القُدُّوسِ عنِ أَيِّ نقصٍ أَو عيبٍ أَيَّاً كانا.
وَ إِلى أَصحابِ نظريَّةِ اللا مؤامرةِ، أَسأَلُهُم جميعاً:
– وَ مَن الّذي خلقَ الفيروسَ الأَوَّلَ في أَوَّلِ سُلالةٍ لَهُ؟
– أَليسَ هُوَ الله؟
– وَ مَن الّذي جعلَ لهذا الفيروسِ قُدرةَ اختراقِ الثديِّياتِ بمَن فيهِم البشرُ أَيضاً؟
– أَليسَ هُوَ الله؟
– وَ مَن الّذي لَهُ القُدرةُ الْمُطلَقَةُ على تعطيلِ قُدراتِ هذا الفيروسِ؟
– أَليسَ هُوَ الله؟
إِذاً:
فـ (فيروس كورونا) ليسَ صناعةً مِنَ البشرِ، حتَّى وَ إِن كانَ البشرُ ذاتُهُم هُم أَدواةٌ أَدَّت إِلى صناعةِ هذا الفيروسِ ظاهريَّاً، إِلَّا أَنَّ الحقيقةَ الأُولى فيهِ: هيَ أَنَّ اللهُ تعالى هُوَ الصانِعُ لهذا الفيروسِ وَ هُوَ الصانعُ أَيضاً لِكُلِّ شيءٍ في الوجودِ؛ لأَنَّ اللهَ عزَّ وَ جَلَّ هُوَ الخالِقُ الأَوَّلُ لا سِواهُ، وَ هُوَ عَزَّ وَ جَلَّ الإِلهُ القادرُ على تعطيلِ وَ إِفناءِ الأَشياءِ جميعاً أَيَّاً كانت وَ أَينما كانت وَ كيفما كانت.
مِن هُنا، عَلِمنا أَنَّ الْمُسبِّبَ الحقيقيَّ لهذهِ النتيجةِ الواقعيَّةِ هُوَ: الله، وَ حيثُ أَنَّنا لا وَ لن يمكِنُنا إِزالةُ الله؛ بغرضِ القضاءِ على النتيجةِ هذهِ الّتي هيَ الفيروس، لأَنَّ اللهَ هُوَ اللهُ واجِبُ الوجودِ الّذي لا أَحدَ في الكونِ كُلِّهِ يستطيعُ فرضَ شيءٍ عليهِ أَبداً، لذا: لا بُدَّ لنا أَن نعلمَ السببَ الّذي أَدَّى بالإِلهِ الخالقِ الْمُسبِّبِ لهذا السببِ أَن يصنعَ النتيجةَ هذهِ؛ وَ بمعرفتنا السببَ، يمكنُنا إِزالتَهُ، وَ بالتالي: تزولُ النتيجةُ بداهةً، فيزولُ الفيروسُ بكُلِّ يسرٍ وَ سهولةٍ أَيضاً.
حيثُ أَنَّ اللهَ تعالى عادِلٌ لا محالة، فهذا يؤكِّدُ لنا حقيقةً دامغةً، هيَ: أَنَّ هذهِ النتيجةَ ليسَت عِقاباً مِنَ اللهِ؛ إِذ لو كانت عِقاباً منهُ سُبحانهُ لانتفَتْ عنهُ العدالَةُ انتفاءً تامَّاً، وَ انتفاءُ العدالةِ عنهُ تجعلُهُ ليسَ هُوَ الله الإِلهُ الخالِقُ الحَقُّ بداهةً، وَ هذا أَمرٌ منطقيٌّ تتفِقُ عليهِ جميعُ العقولِ وَ تُجمِعُ عليهِ كُلُّ النُّفوسِ الممتلئةِ بأَغصانِ الفِطرةِ الإِنسانيَّةِ السّليمةِ.
إِذاً:
– إِن لَم يكُن عِقاباً، فما السببُ الّذي دعا اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِلى صناعةِ هذهِ النتيجةِ؟
الجوابُ هُوَ: الابتلاءُ، وَ الابتلاءُ هُوَ الامتحانُ وَ الاختبارُ، في الشَّدائدِ وَ الْمِحَنِ، ليكونَ كُلُّ إِنسانٍ حُجَّةً على نفسهِ يومَ القيامةِ، لذا أَكّدَ القُرآنُ صراحةً بقولهِ الشَّريفِ:
– {وَ آتَيْنَاهُمْ مِنَ الآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُبِينٌ}..
[القُرآن الكريم: سورة الدخّان/ الآية (33)]
– {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}..
[القُرآن الكريم: سورة الأَنبياء/ الآية (35)]
وَ الـ (فِتنةٌ) لُغويَّاً: هيَ الاختبارُ وَ الامتحانِ، أَيّ: أَنَّ اللهَ عزَّ وَ جَلَّ يصنعُ لنا الأَشياءَ أَيَّاً كانت، سواءٌ تلكَ الّتي نظنُّها خيراً، أَو تلكَ الّتي نظنُّها شرَّاً؛ وَ السببُ الّذي دعاهُ لصناعةِ تلكَ الأَشياءِ، هُوَ أَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يُريدُ وضعَنا في اختباراتٍ وَ امتحاناتٍ عمليَّةٍ تُظهِرُ نتائِجُها لنا لاحِقاً، وَ ليسَ لـ (الله)؛ لأَنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ يعلَمُ مُسبقاً ما نحنُ عليهِ وَ ما نحنُ فيهِ وَ ما نحنُ نؤولُ إِليهِ، فهذهِ النتائجُ تُظهِرُ لنا مدى تمسُّكنا نحنُ بفطرتنا الإِنسانيَّةِ السّليمةِ الّتي فطرَنا اللهُ تعالى عليها، مِن مدى انجرارِنا وراءَ أَكاذيبِ كهنةِ المعابدِ سُفهاءِ الدِّينِ الّذينَ يُحاوِلونَ استعبادَنا بشتَّى وسائلِ وَ أَشكالِ الخِداع، وَ على درجةِ التزامِنا بفطرتنِا الإِنسانيَّةِ السّليمةِ تكونُ الدرجَةُ يومَ الحساب.
عندما انتشرَ خبرُ ظهور فيروس كورونا الحاليُّ في الصين، أَخذَ الكثيرونَ وَ الكثيراتُ مِنَ المتأَسلمينَ وَ المتأَسلماتُ يشمتونَ بالصينِ؛ على اعتبارٍ أَنَّها دولةٌ مُلحِدةٌ تستحقُّ عِقابَ اللهِ فيها، وِفقَ نظرةِ قلوبهِم السوداء، ناسينَ أَو مُتناسينَ أَنَّ اللهَ هُوَ الّذي خلقَ الصينيِّينَ وَ ليسَ أَحداً سِواهُ، وَ ناسينَ وَ مُتناسينَ أَنَّ الخالِقَ هذا جَلَّ شأَنهُ العَظيم قَد كتبَ على نفسهِ الرَّحمةَ، وَ أَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ، وَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ لا يُعاقِبُ أَحداً بجريرةِ ذنبٍ ارتكبَهُ غيرُهُ مِنَ المذنبينَ..
– فهَل أَنَّ الصينَ جميعُها مِنَ المذنبينَ عندَ اللهِ في نظرِ هؤلاءِ الشامتينَ وَ الشامِتاتُ؟!
– وَ هل الصينيِّونَ وَ الصينيِّاتُ ليسوا وَ لَيسُنَّ بشراً مِثلُنا فلا يستحقّونَ الرَّحمةَ مِن خالقٍ واحدٍ خلَقنا نحنُ البشرُ جميعاً في أَيِّ زمانٍ وَ في أَيِّ مكانٍ؟!
إِنَّ اللهَ سُبحانهُ يختبرُنا جميعاً نحنُ أَبناءُ وَ بناتُ الأُسرةِ الإِنسانيِّةِ الواحدةِ هذهِ، يضعُنا في امتحانٍ عمليٍّ لنرى بأُمِّ أَعيُنِنا كيفَ تكونُ سلوكيِّاتُنا تجاهَ الإِنسانِ أَيَّاً كانَ هذا الإِنسانُ وَ كيفما كانَ؛ لأَنَّ جلبَ المنفعةِ للإِنسانِ وَ دفعِ الضررِ عنهُ إِنَّما يكونُ بغرضِ التقرُّبِ إِلى خالقِ هذا الإِنسانِ، وَ الرَّحمةُ تستوجِبُ جلبَ المنفعةِ وَ دفعَ الضررِ معاً، وَ حيثُ أَنَّ اللهَ عزَّ وَ جَلَّ هُوَ الّذي كتبَ على نفسهِ الرَّحمةَ، وَ هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ، وَ هُوَ أَرحَمُ الرَّاحمينَ، لذا: فإِنَّ أَفضلَ ما نتقرَّبُ نحنُ البشرُ إِليهِ هُوَ أَن نتَّصِفَ بصفةِ الرَّحمةِ هذهِ، أَو على الأَقلِّ نتشبَّهُ بشيءٍ منها في أَدنى المستوياتِ، وَ أَدنى مستوياتِها هُوَ أَن ندعو الله بجلبِ المنفعةِ للآخرينَ وَ دفعِ الضررِ عنهُم، بغضِّ النظرِ عن عِرقهِم أَو انتمائهم أَو عقيدتهم حتَّى، لا أَن نشمُتَ فيهِم أَو نسخرَ منِهُم أَو نكون أَداةً تُزيدُ آلامَهُم في وقتِ المحنةِ وَ الشدَّةِ الّتي هُم فيها؛ لأَنَّ الكُلَّ مخلوقونَ، وَ المخلوقونَ جميعُهم أَيَّاً كانوا وَ أَينما كانوا وَ كيفما كانوا واقعونَ في الاختبارِ وَ الامتحانِ ذاتهِما، وَ إِن كانَ ظاهراً للجميعِ ظاهريَّاً أَنَّ كُلَّ واحدٍ مِنهُم لا عَلاقةَ لَهُ بالآخَرِ لأَنَّهُ في طرفٍ مِن أَطرافِ هذهِ المحنةِ وَ الشدَّةِ معاً..
– فهل ستنجحُ سلوكيِّاتُنا في هذا الامتحان؟!
إِنّ ما يُبعِدُ عَنَّا الوقوعَ في النتيجةِ، الّتي هيَ فيروس كورونا، ليسَ هُوَ الالتزامُ بالوصايا الطبيَّةِ الخاصَّةِ بالوقايةِ مِنَ الأَمراضِ، وَ إِن كانَ الأَخذُ بها ضروريَّاً بداهةً؛ إِنَّما بالدرجةِ الأُولى هُوَ أَن نُزيلَ السببَ الّذي صُنِعَ الفيروسُ مِن أَجلهِ، وَ هُوَ: أَن نتقرَّبَ إِلى اللهِ تعالى بالتراحُمِ فيما بيننا جميعاً نحنُ البشرُ كافَّةً، أَن نُساعِدَ بعضنا بعضاً، وَ أَن ندعو اللهَ لجميعِ البشرِ بالعافيةِ الدُّنيويَّةِ وَ الأُخرويَّةِ سويَّةً، حتَّى وَ إِن كانَ أُولئك البشرُ مِنَ الْمُلحِدينَ، لا أَن ننصاعَ وراءَ أَلاعيبِ كهنةِ المعابدِ المتأَسلمينَ لا الْمُسلمينَ الْمُحرِّضينَ على نشرِ الكُرهِ وَ الشرِّ وَ الحربِ بذريعةِ التكفيرِ الّتي ما أَنزلَ اللهُ تعالى بها مِن سُلطانٍ أَبداً؛ لأَنَّ اللهَ تعالى هُوَ الْحُبُّ، وَ هُوَ الخيرُ، وَ هُوَ السَّلامُ، وَ لا شيءَ هُوَ غيرَ الْحُبِّ وَ الخيرِ وَ السَّلامِ، للمخلوقاتِ كُلِّها دونَ استثناءٍ.
تقرَّب (ي) أَنت إِلى مُسبِّبِ الأَسبابِ كُلِّها الّذي هُوَ اللهُ، بجعلِ الرَّحمةِ في قلبك منهجاً أَبديَّاً تجاهَ المخلوقاتِ جميعاً، بمَن فيهِم الإِنسان، وَ التزم (ي) أَنت بكُلِّ أَوامرِ النبيِّ الْمُصطفى الصادقِ الأَمينِ (روحي لَهُ الفِداءُ)، وَ مِنها قولُهُ الشّريفُ:
– “احفَظِ اللهَ يَحفظْكَ، اِحفَظِ اللهَ تَجدهُ تُجاهَك، إِذا سألتَ فاسأَلِ اللهَ، وَ إِذا استعنتَ فاستعِن باللهِ، وَ اعلَمْ: أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمَعَتْ على أنْ يَنفَعوكَ بشَيءٍ، لم يَنفَعوكَ إلَّا بشَيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لك، وَ إنِ اجتمعوا على أنْ يَضُروكَ بشَيءٍ، لم يَضُروكَ إلَّا بشَيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأَقلامُ، وَ جَفَّتِ الصُّحُفُ”..
وَ قالَ روحي لَهُ الفِداءُ:
– “يا أيُّها النَّاسُ! أَلا إنَّ ربَّكم واحدٌ وَ إنَّ أَباكم واحدٌ، أَلا لا فضلَ لِعَربيٍّ على أَعجميٍّ وَ لا لأَعَجميٍّ على عربِيٍّ، وَ لا لأَحمرَ على أَسودَ وَ لا لأَسودَ على أَحمرَ إِلاَّ بالتَّقوى”..
وَ لتُحقّقَ سلوكيِّاتُك القُربَ إِليهِ عَزَّ وَ جَلَّ في هذا الامتحانِ وَ غيرِهِ منَ الامتحاناتِ الأُخرى الّتي لا تتوقَّفُ عنِ الشخصِ إِلَّا لحظةَ موتِ الشخصِ ذات العلاقة، حينها: فإِنَّ الخالقَ هُوَ الّذي يعَطِّلُ لأَجلك كُلَّ النتائجِ الضارَّةِ بك أَيَّاً كانت، وَ يُحرِّكُ كُلَّ النتائجِ النافعةِ لك، فقَط بإِصدارهِ أَمرهِ الفوريِّ إِليها بـ (كُن فيكون).
– {وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَ هُوَ وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَ هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}.
[القُرآنُ الكريم: سورة الأنعام/ الآيتان (17 و18)]
اللهُمَّ ارفَع هذهِ الغُمَّةَ عنِ هذهِ الأُمَّةِ الّتي هيَ أُمَّةُ عِبادكَ وَ عَبيدكَ معاً مِنَ البشرِ أَجمعين، وَ أُمنُن بالعافيةِ على مَن يستحقُّها أَيَّاً كانَ وَ أَينما كانَ وَ كيفما كانَ، بمن فيهِم الصينيِّونَ وَ الصينيِّاتُ وَ مَن هُوَ في الصينِ زائرٌ أَو مُقيمٌ، وَ اهدِ الغافلينَ عنكَ وَ الغافلات إِلى سبيلِ الرشاد، وَ عافِنا جميعاً عافيةَ الدِّينِ وَ الدُّنيا وَ الآخِرة، وَ املأ قلوبنا بالرَّحمةِ دُونَ انقطاعٍ، وَ أَنِر عقولَنا بنورِ تقواك، وَ اجعَل خطواتنا تسيرُ إِلى رِضاك، وَ احفظنا وَ أَوطاننا وَ جميعَ المؤمنينَ وَ المؤمناتِ مِن كُلِّ سوءٍ وَ مكروهٍ، وَ اجعلنا دائماً وَ أَبداً أُمَّةً مُتعاضِدَةً مُتكاتِفةً مُتراحمينَ وَ مُتحابٍّينَ فيما بيننا، نمدُّ يدَ العونِ إِلى مَن يحتاجُها أَيّاً كانَ وَ أَينما كانَ وَ كيفما كان، وَ يُكَمِّلُ فيها أَحدُنا الآخَرَ، بقلوبٍ نقيَّةٍ طاهرةٍ لا تعرِفُ شيئاً إِلَّا الطُهرَ وَ النقاء، فنبقى أَبدَ الدَّهرِ كالبُنيانِ المرصوصِ؛ يشدُّ بعضُنا بعضاً، إِنَّكَ يا ربُّ يا قُدُّوسٌ حَميدٌ مُجيبُ الدُّعاء.