بقلم د/محمد عطا عمر
قال زيد بن أسلم عن أبيه: قال سمعت عمر بن الخطاب يقول: أيها الناس إني أخشى أن تكون سخطة عمتنا فاكتبوا ربكم وأفزعوا اليه وأحدثوا خيرا.
تحدثنا في الحلقة الماضية عن الاستغفار ودوره العظيم في إزاحة الكروب والأزمات, وكيف نصر الله به الأُمة وكشف به الغُمة , وفي هذا الموضوع نستكمل الحديث عن معالجة الأزمات من منظور الشريعة الإسلامية وكيف تنكشف المحن والكروبات وذلك بالتوسل إلى الله بالدعاء والرجاء .
” التوجه إلى الله بالدعاء والرجاء “
الدعاء هو طلب المخلوق من الخالق تحقيق بعض غاياته أو قضاء حوائجه، ولا يمكن أن يثمر دعاء من أجل إصلاح ما فسد، أو إعادة بناء ما تهدَّم، ما لم يقترن بالعمل الجادِّ لتحقيق هذه الأهداف؛ ولا يقبل الله تعالى دعاء من يترجَّى الله بلسانه من أجل الإعمار، بينما تحمل يده معول التخريب والفساد في الأرض.
أمَّا شروط استجابة الدعاء فهي:
أ- اليقين بالإجابة مع حضور القلب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب من قلب غافل لاهٍ “.
ب- عدم الدعاء بـإثم أو قطيعة رحم, وعدم الاستعجال على الله في الإجابة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ما من رجل يدعو بدعاء إلا استُجيب له، فإمَّا أن يُعجَّل له في الدنيا، وإمَّا أن يؤخَّر له في الآخرة، وإمَّا أن يُكفَّر عنه ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل فيقول: دعوتُ ربِّي فما استجاب لي”.
ج- توخِّي الحلال في المأكل والمشرب والملبس، فقد ورد في الحديث الشريف, قال صلى الله عليه وسلم: “أن الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمُدُّ يديه إلى السماء، يارب، يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام وغُذيَ بالحرام فأنَّى يستجاب لذلك؟”.
د- الإكثار من الدعاء حين الرَّخاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَن سَرَّهُ أن يستجيب الله له عند الشدائد والكُرَب فليكثر الدعاء في الرخاء”.
وفي لحظات الدعاء الحقيقي يصل المؤمن إلى ذروة الصفاء مع الله عزَّ وجل، فتُزالُ القيود وتنزاح الحجب بين المخلوق والخالق، خاشعاً منيباً، طامعاً بفضل الله، راغباً في طلب المزيد، متوجِّهاً إلى ربٍّ جليلٍ كريم؛ فتنحلُ العقد وتُقضى الديون وتنفرج الأزمات وتنكشف الكروب, حيث يقول سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ ما يَعْبَأُ بِكُمْ ربِّي لولا دُعاؤكُم﴾(الفرقان77).
وما نحن فيه الآن هو محنة حقيقية وكرب عظيم يستوجب منا جميعاً التوجه إلى الله بالدعاء والرجاء والاجتهاد في الدعاء كي تنزاح الكرب وتنفك العقد وتنجلي الظلماء.
إخوتي في الله هذه دعوة عامة إلى أمة المسلمين أجمعين بالتوجه إلى الله خاشعين خاضعين متذللين إليه بالدعاء والرجاء حتى يزيل الله هذا الكرب العظيم.