بقلم /أحمد الطحاوي
قدم الخبر على السلطان بأن الأمير أحمد الساقي نائب صفد خرج عن طاعة السلطان وسببه أنه لما قبض على منجك خرج الأمير قماري الحموي وعلى يدي ملطفات لأمراء صفد بالقبض عليه فبلغه ذلك من هجان جهزه له أخوه فندب الأمير أحمد، طائفة من مماليكه لتلقي قماري وطلب نائب قلعة صفد وديوانه وأمره أن يقرأ عليه كم له بالقلعة من الغلة فأمر لمماليكه منها بشيء فرقه عليهم إعانة لهم على ما حصل من المحل في البلاد وبعثهم ليأخذوا ذلك فعندما طلعوا القلعة شهروا سيوفهم وملكوها من نائب قلعة صفد وقبضوا على عدة من الأمراء وطلع الأمير أحمد بحريمه إلى القلعة وحصنها وأخذ مماليك قماري وأتوا به فأخذ ما معه من الملطفات وحبسه فلما بلغ السلطان ذلك كتب إلى نائب غزة ونائب الشام بتجريد العسكر إليه هذا والأراجيف كثيرة بأن طاز تحالف هو وبيبغا أرس بعقبة أيلة فخرج الأمير فياض والأمير عيسى بن حسن أمير العائذ فتفرقا على عقبة أيلة بسبب بيبغا أرس وكتب لعرب شطي وبني عقبة وبني مهدي بالقيام مع الأمير فاضل وكتب لنائب غزة بإرسال السوقة إلى العقبة ثم خلع السلطان على الأمير شهاب الدين أحمد بن قزمان بنيابة الإسكندرية عوضاً عن بكتمر المؤمني ثم في يوم الأربعاء سادس عشرين ذي القعدة قدم سيف الأمير بيبغا أرس وقد قبض عليه وسبب ذلك أنه لما ورد عليه كتاب السلطان بمسك أخيه منجك اشتد خوفه وطلع إلى العقبة ونزل إلى المنزلة فبلغه أن الأمير طاز والأمير بزلار ركبا للقبض عليه فركب بيبغا أرس بمن معه من الأمراء والمماليك بآلة الحرب فقام الأمير عز الدين أزدمر الكاشف بملاطفته وأشار عليه ألا يعجل وأن يكشف الخبر أولاً فبعث نجاباً في الليل لذلك فعاد وأخبر أن الأمير طاز مقيم بركبه وأنه سار بهم وليس فيهم أحد ملبس فقلع بيبغا السلاح هو ومن معه وتلقى طاز وسأله عما تخوف منه فأوقفه على كتاب السلطان إليه فلم ير فيه ما يكره ثم رحل كل منهما بركبه من العقبة وأتت الأخبار للأمراء بمصر باتفاق طاز وبيبغا أرس فكتب السلطان للأمير طاز وللأمير بزلار عند ذلك القبض على بيبغا أرس قبل دخوله مكة وتوجه إليهما بذلك طينال الجاشنكير وقد رسم له أن يتوجه مع بيبغا إلى الكرك فلما قدم طينال على طاز وبزلار ركبا إلى أزدمر الكاشف فأعلماه بما رسم به إليهما من مسك بيبغا أرس ووكدا عليه في استمالة الأمير فاضل والأمير محمد بن بكتمر الحاجب وبقية من مع بيبغا أرس فأخذ أزدمر في ذلك ثم كتب لبيبغا أرس أن يتأخر حتى يسمع مرسوم السلطان و حتى يكون دخولهم لمكة جميعا فأحس بيبغا بالشر وهم أن يتوجه إلى الشام فما زال أزدمر الكاشف به حتى رجعه عن ذلك وعند نزول بيبغا أرس إلى منزلة المويلحه قدم طاز وبزلار فتلقاهما وأسلم نفسه من غير ممانعة فأخذا سيفه وأرادا تسليمه لطينال حتى يحمله إلى الكرك فرغب إلى طاز أن يحج معه فأخذه طاز محتفظاً به وكتب طاز بذلك إلى السلطان فتوهم مغلطاي والسلطان أن طاز وبزلار قد مالا إلى بيبغا أرس وتشوشا تشويشاً زائداً ثم أكد ذلك ورود الخبر بعصيان أحمد الساقي نائب صفد وظنوا أنه مباطن لبيبغا أرس وأخرج طينال ليقيم بالصفراء حتى يرد الحاج إليها فيمضي بيبغا أرس إلى الكرك ثم في يوم الخميس سابع عشرين ذي القعدة خلع على الأمير علم الدين عبد الله بن زنبور خلعة الوزارة مضافاً لما بيده من نظر الخاص ونظر الجيش بعد ما امتنع وشرط شروطاً كثيرة وفيه أيضاً خلع السلطان على الأمير طنيرق باستقراره في نيابة حماة عوضاً عن أسندمر العمري ثم كتب القاضي علاء الدين بن فضل الله كاتب السر تقليد ابن زنبور الوزير ونعته فيه بالجناب العالي وكان جمال الكفاة سعى أن يكتب له ذلك فلم يرض كاتب السر وشح عليه بذلك فخرج الوزير وتلقى كاتب السر وبالغ في إكرامه وبعث إليه بتقدمة سنية ثم قدم الخبر على السلطان بنزول عسكر الشام وطرابلس على محاصرة أحمد نائب صفد وزحفهم على قلعة صفد عدة أيام جرح فيها كثير من الناس والأجناد ولم ينالوا من القلعة غرضاً إلى أن بلغهم القبض على بيبغا أرس وعلم أحمد بذلك وانحل عزمه فبعث إليه الأمير بكلمش نائب طرابلس يرغبه في الطاعة ودس على من معه بالقلعة حتى خامروا عليه وهموا بمسكه فوافق على الطاعة وحلف له نائب طرابلس فنزل إليه بمن معه فسر السلطان بذلك وكتب بإهانته وحمله إلى السجن وفي عاشر ذي الحجة كانت الواقعة بمنى وقبض على الملك المجاهد صاحب اليمن وآسمه علي بن داود بن المظفر يوسف بن المنصور عمر بن علي بن رسول وكان من خبره أن ثقبة لما بلغه آستقرار أخيه عجلان عوضه في إمرة مكة توجه إلى اليمن وأغرى صاحب اليمن بأخذ مكة وكسوة الكعبة فتجهز الملك المجاهد صاحب اليمن وسار يريد الحج في حفل كبير بأولاده وأمه حتى قرب من مكة وقد سبقه حاج مصر فلبس عجلان آلة الحرب وعرف أمراء مصر ما عزم عليه صاحب اليمن وحذرهم غائلته فبعثوا إليه بأن من يريد الحج إنما يدخل مكة بذلة ومسكنة وقد ابتدعت من ركوبك بالسلاح بدعه لا تمكنك أن تدخل بها وابعث إلينا ثقبة ليكون عندنا حتى تنقضي أيام الحج فنرسله إليك فأجاب لذلك وبعث ثقبة رهينة فأكرمه الأمراء وركبوا الأمراء في جماعة إلى لقاء الملك المجاهد فتوجهوا إليه ومنعوا سلاح داريته بالمشي معه بالسلاح ولم يمكنوه من حمل الغاشية ودخلوا به مكة فطاف وسعى وسلم على الإمراء واعتذر إليهم ومضى إلى منزله وصار كل منهم على حفر حتى وقفوا بعرفة وعادوا إلى الخيم من منى وقد تقرر الحال بين الأمير ثقبة وبين الملك المجاهد على أن الأمير طاز إذا سار من مكة أوقعا بأمير الحاج ومن معه وقبضا على عجلان وتسلم ثقبة مكه فآتفق أن الأمير بزلار رأى وقد عاد من مكة إلى منى خادم الملك المجاهد سائراً فبعث يستدعيه فلم يأتي وضرب مملوكه بعد مفاوضة جرت بينهما وجرحه في كتفه فماج الحافي وركب الأمير بزلار وقت الظهر إلى الأمير طاز فلم يصل إليه حتى أقبلت الناس جافلة تخبر بركوب الملك المجاهد بعسكره للحرب وظهرت لوامع أسلحتهم فركب طاز وبزلار وأكثر العسكر المصري بمكة فكان أولى من صدم أهل اليمن بزلار وهو في ثلاثين فارسا فأخذوه في صدرهم إلى أن قذفوه قريب
قريب خيمته ومضت فرقة إلى جهة طاز فأوسع لهم طاز ثم عاد عليهم وركب الشريف عجلان والناس فبعث الأمير طاز لعجلان أن آحفظ الحاج ولا تدخل بيننا في حرب ودعنا مع غريمنا واستمر القتال بينهم إلى بعد العصر فركب أهل اليمن مع كثرة عددهم وآستعدادهم الذلة والتجأ الملك المجاهد إلى دهليزه وقد أحاط به العسكر وقطعوا أطنابه وألقوه إلى الأرض فمر الملك المجاهد على وجهه منهزماً ومعه أولاده فلم يجد طريقا فسلم المجاهد ولديه لبعض الأعراب وعاد بمن معه من عسكره وهم في أقبح حال يصيحون الأمان يا مسلمون ! فأخذوا وزيره وتمزقت عساكره في تلك الجبال وقتل منهم خلق كثير ونهبت أموالهم وخيولهم عن آخرها انفصل الحال عند غروب الشمس وفر ثقبة بعبيده وعربه فأخذ عبيد عجلان جماعة من الحاج فيما بين مكة ومنى وقتلوا جماعة قلت: هذا شأن عرب مكة وعبيدها وهذه فروسيتهم لا في لقاء العدو وكان حقهم يوم ذاك خفر الحاج كون المماليك قاموا عنهم بدفع عدوهم وإلا كان المجاهد يستولي عليهم وعلى أموالهم وذراريهم في أسرع وقت.