بقلم الأديب:أحمد عفيفي
المشرًَدون دائما يتوارون, أمّا هو, فلا,فقد عقد العزم على ابتكار أسلوبا جديدا للتمرد وهو -الإشارة-.ليقارع بها من يتجنى عليه , أو يسُبه أويحاول إزلاله,سيظل مثابرا ومواجهاً ورافضا للتسلط والتجبُر والأخذ بدون عطاء ,رافضا الجحود , ومن يتعقبونه ويحاولون منه ومن قدراته قدر الإمكان ,سيظل رافضا الإذعان لامرأة حسبها جاءت لمواساته وليس لاسترداد شيئا كانت أهدته إيًاه منذ زمن,سيرفض أن يمشى الرجل فى عباءة سيده,ويرفض حزن البغايا اللواتى قد تم بيعهنًَ مقابل ديون عليهنًَ,سيرفض المرأة التى دخلته -عُنوة- وتخلًت عنه الآن..أشار برفضه كثيراً , لم يعبأ به أحد, غنَّى بصوتِ ملؤه الغضب, لم يُنصت أحد,فكًَر أن يُدعًِم الإشارة بالرقص, فعل ,أمسكت فتاةٌ صغيرة بذيل فستانها وراحت ترقص معه..نهرتها جدتها العجوز وسحبتها بعيدا عنه..إنهالت عليه اللعنات والسباب, فرًَ هارباً .
*فى الشارع التالى راح يُشير ويرقص, تجمّع البعض, كانوا أكثر حدًة وخطورة, طريق الفِرار مسدود من الطرفين,راحوا يسألونه بغلظة واستهزاء, ظلت الإشارة الراقصة هى إجابته الوحيدة..أحسً جوعاً شديداً, تذكّر صديقه البدوى وهو جالس أمام -راكية- النار, وفى الخيمة أطفالٌ يبكون من شدًة الجوع, ونسوةٌ يندُبنَ, وحبةُ من-الطماطم- تتدحرج على الأرض, وعجوزٌ تطاردها بأصابعها الناشفة النحيلة!
*مازال المتربصون به يلاحقونه ,يهرولون خلفه , لم يجد بُداً من القفز فى النهر..وحين أفاق وجد نفسه في منتصف النهر ممسكا بفلقة نخيل طافية فوق الماء,جرفه التيًار نحو شرطة النهر ,انتشله شرطىٌ وسأله بحدًة:من أين جئت؟وأين رفاقك؟ أعطنى بطاقة هويتك,قال:ليس لى رفاق ,ولا مكان ,ولا هويه , قال الشرطى:إن لم تُجب بكلام مفهوم لن تخرج من هنا ,ما اسمك وعملك ,ومن أين أنت؟,قال:لا أعرف من أنا,.قال الشرطى:سأعرف أنا!
*وقفت العربة الزرقاء القاتمة أمام المدخل,أنزلوه, الفناء تنبعث منه رائحة الخوف, قال له حارسه:أنت لم تبكِ بما فيه الكفاية, لم يعره التفاتا , كان مُنشغلا بمشاهدة الجالسين أرضاً, يهرشون رؤوسهم, سأله أحدهم: أمعك سيجارة, أشهر جيوبه الخاويه, أخرج أحدهم صوتاً قبيحاً, وضحك آخرٌ بغلظةً ,جلس بينهم لايلوى على شئٍ سوى التفكير فى المرأة التى ومض بريق عينيها من فتحتىّ -النقاب-إبّان صعوده العربة الزرقاء, وطيفُها الذى مازال يحوّم حول عينيه كأنه رؤيا الأمانى والرغبات التى يغزلها على بكراتٍ هُلاميةٍ ..فيما بالقرب رجالُ يرصفون الفناء بسواعدٍ عروقها زرقاء, وآخرون يدفنون سيقان أشجارِِ شابةٍ فى الحفر بين حاجزىّ الرصيف, وآخرون تنهال مطارقهم فوق الصخر فتحدث دويًَاً حاداً..بينما النفيرُ يزعقُ أعلى البرج الغامق, تصحبه رياح آتية بصدى ترانيمٍ تنهال على جذوع الاشجار النافقة التى يدوسها الرجال بأحذيتهم الثقيلة..ثمّ يسوّون الأرض بالمعاول!!@