بقلم/ أحمد الطحاوي
وفي يوم السبت ثامن عشر من صفر برز المجاهد صاحب اليمن بثقله من القاهرة إلى الريدانية متوجهاً إلى بلاده وصحبته الأمير قشتمر شاد الدواوين وكتب للشريف عجلان أمير مكة بتجهيزه إلى بلاده وكتب لبني شعبة وغيرهم من العربان بالقيام في خدمته وخلع عليه وقرر المجاهد على نفسه مالا يحمله في كل سنة وأسر السلطان إلى قشتمر أنه إن رأى منه ما يريبه يمنعه من السفر ويطالع السلطان في أمره فرحل المجاهد من الريدانية في يوم الخميس ثالث عشرينه ومعه عدة مماليك آشتراها وكثير من الخيل والجمال
ثم في أوائل جمادى الآخرة توعك السلطان ولزم الفراش أياماً فبلغ طاز ومنكلي بغا ومغلطاي أنه أراد بإظهار توعكه القبض عليهم إذا دخلوا عليه وأنه قد اتفق مع قشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر الماردينى وتنكز بغا على ذلك وأنه ينعم عليهم بإقطاعاتهم وإمرياتهم فواعدوا الأمراء أصحابهم واتفقوا مع الأمير بيبغا ططر النائب والأمير طيبغا المجدي والأمير رسلان بصل وركبوا يوم الأحد سابع عشرين جمادى الآخرة بأطلابهم ووقفوا عند قبة النصر خارج القاهرة فخرج السلطان إلى القصر وبعث يسألهم عن سبب ركوبهم، فقالوا: أنت اتفقت مع مماليكك على مسكنا ولا بد من إرسالهم إلينا فبعث تنكزبغا وقشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر فعندما وصلوا إليهم قيدوهم وبعثوهم إلى خزانة شمائل فسجنوا بها فشق ذلك على السلطان وبكى وقال: قد نزلت عن السلطنة وسير إليهم النمجاة فسلموها للأمير طيبغا المجدي وقام السلطان حسن إلى حريمه فبعثوا الأمراء الأمير صرغتمش ومعه الأمير قطلوبغا الذهبي ومعهم جماعة ليأخذوه ويحبسوه فطلعوا إلى القلعة راكبين إلى باب القصر الأبلق ودخلوا إلى الملك الناصر حسن وأخذوه من بين حريمه فصرخ النساء صراخاً عظيماً وصاحت الست حدق على صرغتمش صياحاً منكراً وقالت له: هذا جزاؤه منك ! وسبته سباً فاحشاً فلم يلتفت صرغتمش إلى كلامها وأخرجه وقد غطى وجهه إلى الرحبة فلما رآه الخدام والمماليك تباكوا عليه بكاء كثيراً وطلع به صرغتمش إلى رواق فوق الإيوان ووكل به من يحفظه وعاد إلى الأمراء فاتفق الأمراء على خلعه من السلطنة وسلطنة أخيه الملك الصالح
ولما تسلطن الملك الصالح نقل أخاه الملك الناصر حسناً هذا إلى حيث كان هو ساكناً ورتب في خدمته جماعة وأجرى عليه من الرواتب ما يكفيه ثم طلب الملك الصالح أخاه حسناً ووعده أيضاً بزيادة على إقطاعه وزاد راتبه وزالت دولة الملك الناصر حسن
فكانت مدة سلطنته هذه الأولى ثلاث سنين وتسعة أشهر وأربعة عشر يوما منها مدة الحجر عليه ثلاث سنين ومدة استبداده بالأمر نحو تسعة أشهر وأربعة عشر يوماً وكان القائم بدولته في أيام الحجر عليه الأمير شيخون العمري رأس نوبة النوب وإليه كان أمر خزانة الخاص ومرجعه لعلم الدين بن زنبور ناظر الخاص وكان الأمير منجك اليوسفي الوزير والأستادار ومقدم المماليك إليه التصرف في أموال الدولة والأمير بيبغا أرس نائب السلطنة وإليه حكم العسكر وتدبيره والحكم بين الناس وكان المتولي لتربية السلطان حسن خوند طغاي زوجة أبيه ربته وتبنت به وكانت الست حدق الناصرية دادته وكان الأمراء المذكورون رتبوا له في أيام سلطنته في كل يوم مائة درهم يأخذها خادمه من خزانة الخاص وليس ينوبه سواها وذلك خارج عن سماطه وكلفة حريمه فكان ما ينعم به السلطان حسن في أيام سلطنته ويتصدق به من هذه المائة درهم لا غير إلى أن ضجر من الحجر وسافر النائب بيبغا أرس والأمير طاز إلى الحجاز وخرج شيخون إلى العباسة للصيد واتفق السلطان حسن مع مغلطاي الأمير آخور وغيره على ترشيده فترشد حسب ما ذكرناه واستبد بالدار المصرية ثم قبض على منجك وشيخون وبيبغا أرس إلى أن كان من أمره ما كان على أنه سار في سلطنته بعد آستبداله بالأمور مع الأمراء أحسن سيرة فإنه اختص بالأمير طاز بعد حضوره من الحجاز وبالغ في الإنعام عليه
وكانت أيامه شديدة كثرت فيها المغارم بما أحدثه الوزير منجك بالنواحي وخربت عدة أملاك على النيل واحترقت مواضع كثيرة بالقاهرة ومصر وخرجت عربان العائد وثعلبة وعرب الشام وعرب الصعيد عن الطاعة واشتد فسادهم لاختلاف كلمة مدبري المملكة
وكان في أيامه الفناء العظيم المقدم ذكره الذي لم يعهد في الإسلام مثله وتوالى في أيامه شراقي البلاد وتلاف الجسور وقيام ابن واصل الأحدب ببلاد الصعيد فآختلت أرض مصر وبلاد الشام بسبب ذلك خللاً فاحشاً كل ذلك من اضطراب المملكة واختلاف الكلمة وظلم الأمير منجك وعسفه
وأما الملك الناصر حسن المذكور فإنه كان في نفسه مفرط الذكاء عاقلاً وفيه رفق بالرعية ضابطاً لما يدخل إليه وما يصرفه كل يوم متديناً شهماً لو وجد ناصراً أو معيناً لكان أجل الملوك يأتي بيان ذلك في سلطنته الثانية إن شاء الله تعالى
وأما سلطنته هذه المرة فلم يكن له من السلطنة إلا مجرد الاسم فقط وذلك لصغر سنه وعدم من يؤيده
السنة الأولى من سلطنة الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون الأولى وهي سنة تسع وأربعين وسبعمائة، على أنه حكم من الخالية من رابع عشر شهر رمضان فيها أعني سنة تسع وأربعين كان الوباء العظيم المقدم ذكره في هذه الترجمة وعم الدنيا حتى دخل إلى مكة المشرفة ثم عم شرق الأرض وغربها فمات بهذا الطاعون بمصر والشام وغيرهما خلائق لا تحصى.