شكل العالم ما بعد كورونا

WhatsApp Image 2020 06 02 at 2.01.08 PM

بقلم / صباح مبروك الديهي

“الصحة النفسية أو الصحة العقلية هي مستوى الرفاهية النفسية أو العقل الخالى من الاضطرابات “
وهى الحالة النفسية للشخص الذى يتمتع بمستوى عاطفى وسلوكى جيد وهذا من وجهة نظر علم النفس الإيجابى أو النظرة الكلية للصحة العقلية من الممكن أن تتضمن قدرة الفرد على الاستمتاع بالحياة وخلق التوازن بين أنشطة الحياة ومتطالباتها .
يعتبر الإنسان هو اللبنة الأساسية للمجتمع وجوهر بنائه ، فالإنسان السوى هو مصدر النهضة والفكر والتقدم ، ولكى يقوم الفرد بأداء واجباته ومهامه الذاتية والاجتماعية على أكمل وجه لابد أن يكون متمتعا بصحة نفسية عالية تخلو من الاضطرابات النفسية والمشاكل التي تؤثر بشكل سلبى في بذله وعطائه وإنجازاته .
فالفرد المصاب باضطراب أو خلل نفسى له أثر سلبى يعود على ذاته وعلى الآخرين من حوله ، فيقف عائقا في وجه تقدمه وإنجازته .
” كورورنا ” (خمول أجتماعى )
تعتبر التبعات الاجتماعية لكورونا أكبر حجماً وأعمق أثراً من تبعاته الاقتصادية ، خاصة في المجتمعات الغربية . ففي هذه المجتمعات التي يعيش أفرادها حياة ناعمة يملأها الأنضباط والأستقرار ، ولم يتعرضوا لتقلبات الجياة ، يصبح الفرد حين ذاك أكثر ضعفا من الناحية النفسية ، ومع تجاوز النزعة الفردية في هذه المجتمعات ، تضعف ” المناعة النفسية ” للفرد والمجتمع ، وتظهر العديد من الأمراض النفسية والإجتماعية ، كما أن تفاقم هذا الفيروس بهذا الشكل الكبير والسريع في دول الغرب المتقدم ، لم يثير الرعب والخوف لدى الأفراد فقط ، بل لدى القيادات والحكومات .
وترى ” Scientific American” أنه مع كورونا والحجر الصحى وتزايد حالات البطالة ، فقد أصبح القلق ، والإحباط ، ونوبات الهلع ، والإكتئاب ، والميول الإنتحارية ، شائعة جداً أثناء الإغلاق . وتتوقع بعض التقارير أن يكون ضحايا الإنتحار بسبب جائحة كورونا أكبر بكثير من ضحايا الفيروس نفسه . وأن تزايد معدلات الإنتحار في الغرب ، ليس بين كبار السن فقط ، بل بين الصغار أيضا ً كما أشارت صحيفة ” الجارديان ” . وترتبط تلك التقارير بين الآثار السلبية وتزايد معدلات الإنتحار ، وترى أنه في حالات كانت فيها الضغوط الاقتصادية أخف كثير من حالنا في ظل كورونا ، كانت معدالات الإنتحار عالية جدا BBC,2014″”. وهو ما يجعل افنتحار أكثر بسبب فيروس كورونا .
ويترتب على ذلك في ظل هذه الظروف الإحتماعية ، أتنخفض معدلات المواليد ، المنخفضة أساساً ، في الولايات المتحدة و أوروربا . كما أن هذه الدول ستكون أقل إغراء للمهاجرين عما كانت عليه قبل أنتشار فيروس كورونا . وهذا يعنى أنه سيوجد تناقص سكانى في تلك المناطق ، وهذا سيكون له أثر سئ على أقتصاديات هذه الدول .
” كودر نهاية مارس رونا والإقتصاد ” بطالة وركود وديون
يقول تقرير الأمم المتحدة الصادر نهاية مارس الماضى ، بعنوان ” المسئولية المشتركة ، التضامن العالمى . لمواجهة الآثار الاجتماعية والإقتصادية ل COVID – 19″ ، أن أزمة كورونا سيكون لها أثار هائلة وطويلة المدى على الاقتصاد العالمى وإقتصاد الدول على السواء .
وقد انتهى صندوق النقد الدولى من إعادة تقييمه للنمو النتوقع لعامى ” 2020 ،2021 ” ، ليقول بأن العالم قد دخل مرحلة كساد أسوء من تلك التي شهدها العالم عام ” 2009″ .

” كورونا والعالم النامى ” * فرصة لن تتكرر *
في ظل هذه التغيرات الاجتماعية والإقتصادية الكبرى والمتسارعة التي أحدثها وباء كورونا ، يوجد ظاهرتين مهمتين لهم أثر كبير على العالم النامى . وهما :
• تصاعد القوى الكبرى على قيادة العالم ، وإنشغال تلك القوى بنفسها ، إلى حد كبير ، نحو الداخل .
ويوجد الكثير من المؤشرات إلى أن صراع القوى الكبرى قد ازدادت حدته بعد هذا الوباء ، ويرجع ذلك للتفاوت الكبير في حجم الضرر المتوقع أن يلحق بهذه القوى ، وإلى أي مدى تكون قدرة هذه المجتمعات على تحمل تبعات هذه الأضرار ، نظراً للتفاوت الكبير في طبيعة النظم السياسية لها ، والإقتصادية .
وهذه المؤشرات تؤكد على أن من يخرج أولاً من محنة وباء ” كورونا ” سيتمكن من تحقيق نقاط هائلة ليصعد على سلم القوى ويعتبر هو المسيطر في هذا العالم . وهو ما تتغير معه الكثير من التحالفات وظهور تكتلات إقتصادية وسياسية جديدة . ” BBC – 2020″

• من ناحية ثانية : ف كورونا جعلت تلك القوى مشغولة بنفسها ، إلى حد كبير . كما أنه قد ضعف من تطلعاتها وقدراتها الإستعمارية ، فبجانب أنشغال الجيوش في المشاركة في عمليات مجابهة الوباء داخليا ، فإن إنتشار الوباء داخل الجيش ، خاصة على حاملات الطائرات ، يضعف بشكل كبير من سطوتها العسكرية الخارجية . ويكفى هنا أن نشير إلى ما قامت به العديد من هذه القوى من سحب قواتها من الخارج ، وعلى ذلك فمن المتوقع أن تضعف الأطماع الإستعمارية للقوى الكبرى لصعوبه تحقيقها في ظل الوباء .

كما أنها قد صارت أكثر أحتياج إلى التعاون لتحقيق نمو إقتصادى أفضل . كما أن الخيار العسكرى في حل نزاعاتها أو تحقيق أطماعها ، فقد صار أبعد مما كلن عليه في الوقت الماضى بسبب الوباء .

وأخيراً، فإن الفجوة في التنمية بين العالم المتقدم والعالم النامى ، قد بدأت في التناقص نتيجة لأنخافض انتشار كورونا وإنخفاض كلفته الاقتصادية في العالم النامى مقارنة بالعالم المتقدم .
فهذه المتغيرات توفر فرصة نادرة لصياغة نظام عالمى جديد أكثر عدلا ً، إذا إن التفاوض في هذه الحالة لن يكون بين منتصر ومهزوم ، كما كانت الحال عند صياغة النظام العالمى الحالي ، بل سيكون بين مهزوم ومهزوم هذا الوضع يوفر فرصة نادرة للعالم النامى للضغط لصياغة نظام دولى أكثر عدلا.