عزيمة مهاجر فى سبيل الله

received 1271008716570139
  • بقلم الداعية الإسلامية : مهندسة بهيرة خيرالله

كما كانت الهجرة فارقة بين الحق والباطل ، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كذلك كانت فارقة بين قوي الإيمان وضعيفه ، وتمثل هذا المعني فى قصة هجرة بعض الصحابة نورد منها قصتين ؛ قصة هجرة عمر بن الخطاب ، وقصة هجرة صهيب الرومي رضي الله عنهما .

  • قصة هجرة ” عمر بن الخطاب رضي الله عنه ” ..

لما أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة إلى المدينة ، كان المسلمون يهاجرون مُتخفين فى هجرتهم إلا ” عمر بن الخطاب ” فإنه لما همَّ بالهجرة تقلَّد سيفه وتنكب قوسه وحمل فى يده أسهماً ، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها ، فطاف سبعاً ثم صلى ركعتين عند المقام ، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة ، فقال : ( شاهت الوجوه – أي قبحت ؛ من أراد أن تثكله أمُّه ، وَيُيَتَّمَ ولدَهُ ، وتُرمَّل امرأته ، فليلقنى وراء هذا الوادى ) … فما تبعه منهم أحد .

تواعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع : ” عياش بن أبى ربيعة & هشام بن العاص بن وائل ” للقاء عند موضعٍ يُصبحون عنده ثم يهاجرون منه إلى المدينة . فاجتمع عمر وعياش وحُبِسَ عنهما هشام . ولمَّا قدما المدينة ، ونزلا بقباء قدم “أبو جهل” وأخوه “الحارث” إلى “عياش” – وأم الثلاثة واحدة – فقالا له : “إنَّ أمك قد نذرت أن لا يمس شعرها مشط ولا تستظل بشمس حتى تراك” . فرَقَّ لهما . فقال له عمر : “يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم” . فأبى عياش إلا الرجوع معهما ليبر قسم أمه . فقال له عمر : “أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتى هذه ، فإنها نجيبة ذلول ، فالزم ظهرها ، فإن رابَك من القوم ريبٌ فانج بها” . فخرج عليها معهما حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، قال له أبو جهل : يا ابن أخى ، والله لقد استغلظت بعيرى هذا ، أفلا تعقبنى على ناقتك هذه ؟ قال : بلى . فأناخ وأناخا ليتحول عليها . فلما استووا إلى الأرض عَدَوا عليه ، فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة موثقاً ، وقالا : يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفيهنا هذا .
ويؤخذ من هذا المشهد من القصة غدر المشرك ولو كان ذو رحم ؛ وما كان يفعله المشركون بمن يريد الهجرة إذا علموا ذلك ؛ وفطنة عمر فإن المؤمن يرى بنور الله .

وبقى “هشام ” & “عياش” فى قيد الكفار حتى إذا هاجر رسول الله صلي الله عليه وسلم قال يوماً : ( من لى بعياش وهشام ؟ ) فقال “الوليد بن الوليد” : “أنا لك يا رسول الله بهما” . فقدم مكة مُستخفياً ، ولقى امرأة تحمل لهما طعاماً ، فتبعها وعرف مكان محبسهما فى بيتٍ بلا سقف ، فلما أمسى تسور الجدار وقطع قيدهما ، وحملهما على بعيره حتى قدم المدينة .

وفي هذه القصة من العبر الكثير ؛ أولها بيان شجاعة عمر وقوته فى إظهار الحق وتحدى الباطل ، فقد روي البخاري فى صحيحه أن عمر قد قدم المدينة فى عشرين من الصحابة ، ولم يخش فى الله أحد ، ولم يستكن إلي الضعف والخنوع ، ليُعلِّم الظالمين درسا في قوة الحق ، وأن المسلمين لم يهاجروا خوفاً ولا جبناً ، ولكن هاجروا من أجل مصلحة الدعوة ولبناء دولة الإسلام في أرض جديدة ؛
وكانت هذه رسالة لابد من توصيلها ، حتى أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال عنه : ( يا ابن الخطاب والذى نفسى بيده ، ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط ، إلا سلك فجًا غير فجِّك ) . وعنه قال الصحابى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( كان إسلامه فتحًا ، وكانت هجرته نصرًا ، وكانت إمارته رحمة . ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلى بالبيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا ) .. لذا لقبه الرسول صلي الله عليه وسلم بـ < الفاروق > فبه فرق بين عهدين من الدعوة المحمدية في مكة ، السِّرية والعلن .

** قصة هجرة ” صُهيب بن سنان الرومى ” رضي الله عنه :

حين أراد صُهيب الهجرة إلى المدينة قال له كفار قريش : “أتيتنا صعلوكاً ، فكثُرَ مالك عندنا وبلغت الذى بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ، والله ما يكون ذلك” . فقال لهم صُهيب : “أرأيتم إن جعلت لكم مالى ، أتُخلُّون سبيلى ؟ قالوا : نعم . قال : فإنى قد جعلتُ لكم مالى كله” . ودلهم على مكانه ، وهاجر .
فلما رآه رسول الله صلي الله عليه وسلم بادره قائلاً :” رَبحَ البيعُ صُهيب … رَبحَ البيعُ صُهيب “– وفى رواية : رَبحَ البيعُ أبا يحيى ( مرتين ) – ونزل فيه قرآنٌ يُتلى إلى قيام الساعة ، وهو قوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله والله رَؤُوفٌ بِالعِبَادِ } [البقرة :207] .

ويؤخذ من هذه القصة من العبر الكثير ؛ فلم يكن صُهيب عبداً للمال الذى جمعه بجهد وكفاح ، ولكنه تاجر مع الله تجارة رابحة ، فى سلعة غالية ، هي سلعة الله ، وهى الجنة – كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فى وصفه العبودية للمال : ( تعِسَ عبدُ الدينار ، تعِسَ عبد الخميصة -القطيفة – تعِسَ وانتكسَ ، وإذا شِيكَ فلا انتقش ) . فصُهيب اشترى آخرته بدنياه ، ودفع الثمن ، كما قال تعالى : { إنَّ اللهَ اشترى مِنَ المؤمِنِينَ أنفُسَهُمْ وَأمْوالهُم بِأنَّ لهُمْ الجَنَّةَ } [ التوبة :111] .

فهل يوجد من يُقدم طاعة ربَّه ومرضاته على طاعة الأزواج والأبناء والبنات ؟!! وهل يوجد من يؤثر ربَّه ودينه على الأرض والديار والأموال ؟!!! … إلا من رحم ربى .