⁩امام دار الهجره الإمام مالك2 ⁦

received 947094999153402

⁦▪️⁩ بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

⁦▪️⁩مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

من أعظم ما تميز به الإمام مالك في شبابه أنه صان نفسه عن مجالسة السفهاء، والاشتغال بمماراتهم والجدال معهم، فلم يتلوث بسفههم، وهكذا ينبغي للشاب في طلبه للعلوم والمعارف أن يصاحب العقلاء، ويجتنب السفهاء. وكان ربيعة الرأي إذا جاء مالك يقول: جاء العاقل. واتفقوا على أنه كان أعقل أهل زمانه. وقال أحمد بن حنبل قال مالك: ما جالست سفيهاً قط. وهذا أمر لم يسلم منه غيره، ولا في فضائل العلماء أجل من هذا. وذكر يوماً شيئاً فقيل له: من حدثك بهذا؟ فقال: إنا لم نجالس السفهاء.

ولم يكن مسرعا في الفتيا، بل كان شديد التحرز والاحتياط فيها، وهذا من كمال عقله، قال ابن القاسم سمعت مالكاً يقول: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن. وكان يقول: ربما وردت علي المسألة فأسهر فيها عامة ليلتي.

وقال ابن عبدالحكم: كان مالك إذا سئل عن المسألة قال للسائل: انصرف حتى أنظر، فينصرف ويتردد فيها، فقلنا له في ذلك، فبكي وقال: إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم، وأي يوم؟ وكان يقول: من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ثم يجيب.

وقال الهيثم بن جميل: شهدت مالكاً سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها: لا أدري.

إن على الشباب أن يأخذوا من سيرة مالك في شبابه ثم في إمامته عبرة لهم في طلب العلوم والمعارف، فمالك كان صبيا يلهو بالحمام، ثم لما أراد الله تعالى به خيرا سخر أباه لزجره في ذلك، فهُدي إلى طريق العلم، وسهر في جمعه، وتعب في تحصيله، ووضع له منهجا في انتقاء الشيوخ، ومجانبة مجالس السفهاء، وجمع الخشية مع العلم، وظهر ذلك عليه في تنسكه وتخشعه، وتعظيمه حديث النبي عليه الصلاة والسلام، ومهابة الفتيا والاحتراز فيها.

إن شباب اليوم يحتاجون منهجا في طلب العلم كمنهج مالك؛ لئلا تتمارى بهم الأهواء، ولكيلا تفتك بهم الفتن؛ فالعلم بلا خشية يورث تحلالا من الدين، واستخداما للرخص في غير محلها، وإفساد العامة بها. والتسارع في القول على الله تعالى بلا علم يرسخ أدواء الهوى في الشباب، حتى يعجب كل ذي رأي برأيه، فيفتح عليهم أبوابا من الفتن كانوا في منجاة منها. وما داء كثير من الشباب اليوم إلا الإعجاب بالرأي، والتصدر قبل الأوان، والتكبر عن قبول التوجيه والإرشاد. ومن أراد الفلاح جمع بين العلم والخشية، وصبر على مشقة العلم والمعرفة، وجانب السفه والغفلة.

جعلنا الله تعالى من أهل العلم والمعرفة، ومن علينا بالتقوى والخشية.