بقلم / د. رشا عبد العزيز
دكتوراه فلسفة العلوم البيئية قسم تربية وإعلام
كارثة بيئية تضرب العالم في ظل إنتشار فيروس كورونا .
تسببت جائحة كورونا في انخفاض غير مسبوق من عشرات السنين في نسب التلوث علي مستوي العالم ، وعاد الحجر الصحي بفائدة ملحوظة على النبات والحيوان، والأراضي الزراعية و البحار، بعد نجاة الطبيعة من جزء كبير من أطنان القمامة التي كان يرميها الإنسان يوميا، كما تخلص المناخ من الغازات السامة والمواد الكيميائية المضرة بسبب انخفاض حركة النقل وإغلاق العديد من المصانع الملوثة.
ولكن يري المعنيون بالبيئة حول العالم انه لن تخرج البيئة سالمة من جائحة كورونا ، وأن هناك كارثة بيئية جديدة سوف تجتاح كوكب الأرض
وهي ظاهرة التخلص من الأقنعة الملوثة والنفايات الطبية وأن رمي الملايين من البشر الكمامات والقفازات المستخدمة في صناديق القمامة أو في الأماكن العامة يتم بطريقة عشوائية غير آمنة مما قد يسبب كوارث صحية وبيئية فالعالم يستهلك ما يقدر بـ 194 مليار كمامة وقفاز شهريا، منذ الإنتشار السريع لفيروس كورونا .
وقد توصل الباحثون والأطباء إلى إمكانية تحول تلك النفايات الي بيئة خصبة للميكروبات والفيروسات و التي تتسبب في إصابة المزيد من الناس بالفيروس ، كما أن هذه الكمامات تحتفظ بلعاب صاحبها لمدة ثلاث ساعات تقريبا، و مدة استخدامها لا تتجاوز الأربع ساعات فقط، وإن كان مرتديها مصابا فسيتحول قناع وجهه إلى وسيلة لنقل فيروس كورونا، وسيكون اول الضحايا هم عمال النظافة .
ولا ترجع خطورة هذه الكمامات والقفازات إلى أنها ربما تنشر الفيروس فقط ، وإنما لأنها تحوي مواد لا يمكن إعادة تدويرها، كما أنها لا تتحلل. ومن المعروف أن الكمامات الجراحية مصنوعة من نسيج يدخل البلاستيك في تركيبه ، وتصنع معظم معدات الوقاية الشخصية المستخدمة لمرة واحدة والتي أدت الحاجة إلي زيادتها لأهميتها في حماية العاملين في المجال الطبي الذين يتعاملون مع المرضى بعدوى “كوفيد-19” من مجموعة متنوعة من المواد البلاستيكية، بما في ذلك البولي بروبلين والبولي إيثيلين والفينيل.
وعلى رغم من أن “منظمة الصحة العالمية” توصي بكمامات قماشية بغرض التباعد الاجتماعي، إلا أنه هناك زيادة كبيرة في استخدام قفازات الـ”لاتكس” وكمامات الجراحين المصنوع بعضها من نسيج غير محاك لا يمكن إعادة تدويره.
كما فرضت جائحة كورونا زيادات أخرى في المنتجات البلاستيكية ذات الاستخدام لمرّة واحدة .
كما أنه تم التراجع عن إجراءات حظر الأكياس البلاستيكية في بعض البلدان والتي حارب من أجلها كثيرا المعنيون بشئون البيئة وذلك بسبب مخاوف من عدم نظافة البدائل القابلة لإعادة الاستخدام.
كذلك توجّه كثير من المطاعم وسلاسل الوجبات السريعة إلى بيع الوجبات الجاهزة، مما تسبب في زيادة كارثية من أدوات الطعام والأوعية المخصصة للاستخدام لمرة واحدة.
ومع بلوغ أسعار البلاستيك الجديد وغير المعاد تدويره أسعاراً متدنية للتراجع الغير مسبوق في أسعار النفط، يحذر خبراء بيئيون من أن يضخّ المنتجون مواد بلاستيكية رخيصة بشكل أكبر ، وتتراكم أكوام النفايات البلاستيكية .
كما حذر خبراء البيئة من كارثة أكبر وهي أن كمامات الوجه والقفازات المستخدمة للحماية من فيروس كورنا، والتي يتم التخلص منها تشكل خطرا كبيرا على البحار.
حيث ينتهي نحو ١٣ مليون طن من البلاستيك إلى البحار سنويا بما يوازي شاحنة نفايات في الدقيقة ، بحيث أنها أصبحت تشكل 80% من المخلفات الموجودة في البحار وفق الاتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة.
وقد تستغرق الأقنعة البلاستيكية التي ينتهي المطاف بمعظمها في البحار والمحيطات، ما يصل إلى 450 عاما لتتحلل بالكامل وتترك النظام البيئي البحري.
و يسببب البلاستيك كارثة في المنظومات البيئية البحرية، إذ يتفتت إلى أجزاء صغيرة دقيقة والتي تنتشرت بشكل كبير في كل أعماق المحيطات حول العالم .
ويتأثر ما لا يقل عن 600 نوع من الأحياء البرية بالنفايات المحيطية، وتستهلك أنواع كثيرة من الأسماك النفايات البلاستيكية إذ تخلط بينها وبين الطعام الحقيقي، ومن ثم تدخل هذه النفايات في سلسلتنا الغذائية من خلال أسواق المأكولات البحرية
التي تهدد نحو مليار شخص حول العالم يستهلكون الأطعمة البحرية كمصدر رئيس للبروتين.
ومن النصائح والإرشادات التي يقدمها المختصون هو ضرورة حرق تلك الكمامات أو غسلها بماء ساخن جدا أو بمحلول جافيل ، ثم وضعها داخل كيس بلاستيكي، وإلقائها داخل حاويات نفايات مخصصة لذلك ومغلقة بإحكام، كما أن على الشخص أن يفصح الأقنعة الواقية بيدين معقمتين قبل ارتدائها للتأكد من سلامتها ونظافتها، وعند نزعها يجب تفادي ملامسة جانبها الباطني الذي قد يكون ملوثا ومع ذلك لن تنجو البيئة حيث تعتبر مادة الجافيل والعديد من المنظفات مواد ملوثة للبيئة .
ويري الباحثون في الشأن البيئي انه إذا استمرت الاتجاهات الحالية،
ستزداد معدلات التلوث بشكل كبير حيث ان المخلفات البلاستيكية التي تستخدم اثناء جائحة كورونا تعد مخلفات خطرة يتم التخلص منها بالحرق ومن المتوقع انه سيشكل تصنيع البلاستيك 15 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول 2050 والتي سينجم عنها زيادة في مشكلات أخري موجودة بالفعل مثل الإحتباس الحراري والتغيرات المناخية والتصحر ..