قصة قصيرة :
أنا وهي …..
بقلم / علي حزين
طرقت على الباب .. وانتظرت .. ريثما تفتح ليّ الباب ..
نظرت إليها مندهشاً.. وسرحت بعقلي بعيداً .. ابتسمت لها .. وهي تدعوني للدخول, بسرعة , دخلت.. حتى لا يراني احد .. أعطيتها كل ما كانت تحمله يديّ وجلست في أقرب مكان .. بجوار الباب منهكاً , وقد تهلل وجهها فرحاً لرايتي .. واتسعت عيناها دهشة , وسعدت أيما سعادة , لمقدمي .. طلبت كوباً من الشاي .. فأومأت برأسها , والابتسامة لم تزل على وجهها , وانصرفت مسرعة نحو المطبخ … أخذت أفكر , وأمهد الطريق في عقلي .. ريثما تعد لي الشاي .. تخيلت منظرها حين تستقبل الخبر .. فكرت مع نفسي كثيراً .. وراحت اسأل نفسي , بصوت خافت ..
” لا يمكن أن تعرف من غيري..؟.. ولكن كيف ابدأ معها ..؟!.. كيف أفاتحها في الأمر الموضوع خطير جداً .. ؟.. كيف أخبرها بما أريد .. “..؟ ….
نظرت إليها من طرفِ خفي .. وهي منشغلة عني , ومنهكة بإعداد الشاي .. وهي ترتيب أدوات المطبخ .. بثياب البيت المتواضعة , والتي تبدو فيها مختلفة عن ذي قبل , و مختلفة عن أي يوم مضي .. وقد صنعت تسريحة جميلة زدتها حسناً وجمالا علي جمالها.. كانت تبدو وكأنها ملكة إغريقية جميلة رائعة .. هكذا رأتها عينيَّ في هذه المرة .. سرحت بعقلي لأبعد من ذلك.. وتخيلت منظرها حينما تستقبل الخبر .. ونشب صراع مرير بداخلي .. فأنا أيريد أن أتكلم معها .. اخبرها بما في رأسي .. وعما خبأته عنها منذ فترة .. ولكني أخشي عليها من وقع الصدمة .. همّمت بالقيام من مقامي .. لأجذبها إليّ بكل قوة .. لأحتويها بين زراعيا .. أهزها من بين كتفيها .. وأصرخ فيها .. واصب جام ثورة غضبي .. وألقي كل ما بداخلي في آذنيها , وأرتاح.. وأصارحها بما في نفسي .. لكن توقعي للصدمة جعلتني .. أتراجع في اللحظة الأخيرة .. وأتريث قليلاً .. وأحجم عن كل هذا .. وعن كل ما انوي القيام به .. فربما تسقط في يدي عندما أفاجئها .. وربما تنهار وتجهش بالبكاء .. وربما …! … وربما ….! … ” …
أعدت الأمر في رأسي من جديد .. وأدرته من كل وجه .. وأنا أراقب ماذا تصنع .. هي تصب لي الشاي , تدندن بأغنيتها المفضلة .. للرائعة , الجميلة ” وردة الجزائرية “
ــ, أنا بتونس بيك وانت معيا , بتونس بيك , وبلاقي روحي جويا
كل ذلك ومازال الحوار يدور في رأسي .. وحديث النفس موصول ..
“.. لا, لا .. حتما ستصدم فيّ .. فهي إنسانه رقيقة جدا .. وحساسة لدرجة تفوق الخيال .. كما أنها لم تعهد مني ذلك من قبل .. فأنا عندها أختلف تماماً عن باقي الرجال , الذين مروا بحياتها .. تعتمد عليّ اعتماد كلياً , في كل أمر , وفي كل شأنٍ من شؤون حياتها .. وكل كبيرة وصغيرة تحكيها لي .. ولا تخبأ عني شيء .. خبرتها في الحياة تكاد تكون معدومة “…..
قبل أن تتزوج , كانت كل حياتها تدور في دائرة مثلث واحد .. المدرسة , المذاكرة , وشغل البيت .. رائيتها ذات مرة , مرة واحدة يتيمة .. فتعلق بقلي بها .. ولا أدري بعدها ما الذي حدث لي .. ولا ما الذي صار بعد ذلك.. وما الشيء الذي جعلني متيم بها , ولا ما الشيء الذي أعجبني فيها .. ربما لاحظت أدبها الجم .. وحياءها , وكرمها , وجميل خصالها , متواضعة جدا , وبسيطة جداً لدرجة السجاجة , وتحب البساطة في كل شيء .. لكنها كريمة للغاية .. وربما كانت تشبهني إلي حد كبير ..
وكنت أشعر أني تحت تأثير من نوع ما أشبه بالسحر , أو تأثير تنويم المغناطيسي . أو التخدير العقلي لا أدري , أو ربما كان هو القدر , والقسمة والنصيب ,
هي ليست جميلة الجمال الذي يبهر , لكن ايضا ليست كباقي النساء الاتي عرفتهن ومررن في حياتي .. تعرفت عليها , وكنا نادرا ما نلتقي .. فتصر علي الصمت .. وعلي الاكتفاء بالإصغاء إليّ وفقط .. وكنت أنا الذي أتكلم معها , حتى أمل الحديث والصمت أيضاً .. وفي أحايين كثيرة كنت أتركها وانصرف .. برغم أنها فتاة جامعية درست في أعرق الجامعات.. وربما تعلوني في الشهادات العلمية إلا أني كنت انتزع منها الكلام انتزاعا.. وحين كنت اطلب منها أن تحكي لي عن نفسها .. أو تقول لي أي شيء , كانت ترفض بلطف .. وتقول .. والابتسامة الخجلة الجميلة تملأ وجهها العربي الأصيل وعينيها السوداء الواسعة الكحيلة , هربت من عيني , ووقعت علي الأرض , من شدة الخجل ….
ــ ” أنت راجل أديب وشاعر بتعرف تتكلم وتعبر عن نفسك , أما أنا فلا أستطيع..؟!
مازال صوتها ينبعث بالغناء من داخل المطبخ .. وأنا أرتب الأمر في رأسي من جديد .. فانا لا أستطيع أن أتحمل أكثر من هذا , ولا أطيق كل هذا العذاب …
ها هي الأن قادمة إليَّ , تحمل عبق التاريخ , وكوب الشاي الساخن ..
نظرت إليها ,وهي تقدم لي الشاي .. فابتسمت ..عدلت جلستي .. وهيئت من نفسي وتهيأت للكلام , وأعددت لكل شيء عدته .. وافترضت كل الافتراضات الممكنة , والغير ممكنه .. فقد زورت كلاماً في جناني جيداً .. ونظرت إليها بجد .. بحثت عن لساني .. شحذت همتي .. وأطلت النظر إلها .. ثم ابتسمتُ ابتسامة بلهاء .. وأحجمت عن الكلام .. فأخذت هي بزمام المبادرة , وراحت تحادثني عن اشياء حدثت في غيابي , وكيف وقفت عاجة أمامها , ولم تعرف التصرف أو التعامل معها , وكيف كانت مفتقدينِ , وكيف كانت مشتاقة إليَّ , وكيف .. وكيف …..
وأخذت تنظر إليَّ.. و أنا انظر إليها في صمت مطبق علي غير عادتي , وقد تسمرت عيناي في عينيها , ونعقد لساني عن الكلام .. إلا أنها لاحظت ارتباكي , وتوتري الغير عادي.. فعدلت من جلستها , ولمت ثيابها الشفاف المطرز بالورد , الذي يبرز بعضا من تفصيل جسدها الأبيض كالشمع.. وأنا اشعر بقلبي يعلو ويهبط في صدري ويدق كساعة الحائط التي أصابها العطب ففجأة .. وأنفاسي المتلاحقة تكاد تفضحني وحديث النفس لم يزل موصولا بداخلي .. وكمية من الأسئلة الحائرة تملأ رأسي …
” كيف ابدأ معها …؟… وكيف أفاتحها في الموضوع … وكيف أقنعها..؟… وكيف …؟… وكيف … ؟… “
بحثت عن مقدمات وعن لساني من جديد , في تلك المرة ,. أردت أن أمهد لها الموضوع ..عدلت من وضعي , هيأت نفسي .. حتى لا تُصدم بما أقوله لها , وما اطلبه منها , وأنا انظر إليها في تلك المرة , نظرة جادة , وحادة بعض الشيء .. فتبتسم في وجهي ابتسامة بلهاء .. وطلبت مني بأن اشرب الشاي , قبل أن يبرد .. وصمتت .. برهة قصيرة .. وأنا في السكون الذي يسبق العاصفة ….
تقوم من مقامها .. تتكسر في مشيتها .. تمسك كوب الشاي .. الذي لم يزل يتصاعد منه الأبخرة .. تتقدم نحوي بخطوة واثقة للإمام .. وقد انحنت قليلا , واقتربت الأنفاس , وتلاحقت .. نظرت إليها وكأني أراها لأول مرة .. تفرسها قليلاً التهمت ملامحها البريئة .. كانت تبدو جميلة جداً , ورائعة .. أمسكت بيدها البض …. أجلسها لجواري .. ورحت اقرأ تفاصيل وجهها الجميل .. غازلتها , وانا أداعب شعرها الطويل .. فاندهشت لصنيعي .. رنت ضحكة في محيط أذني .. سرعان ما أمسكها بيدها حتى لا تعلو فيسمعها المارة , والجران .. اقتربت مني أكثر .. فانتشرت كرات الدم الحمراء في وجهي الأسمر .. وسرت بداخلي أحاسيس غريبة وشعور بالنشوة لم أعهده من قبل .. وقد تسمرت عيناي في عينيها .. وتسرب شعاع ضوء من شمس مارس على وجهها الابيض , فبدت لي عينيها بلونٍ أخر مختلف .. لا يمكن وصفه من شدت جمالها , نظرت إلي نظرت أعرف مغزاها .. دخلت لأبعد نقطة في سويداء القلب .. وداخلني شعور مختلط مزيج بالغبطة مع الرغبة والخوف من المجهول .. وانتشر إحساس بالنشوي في جسدي .. فأنا احبها كثيراً جداً .. حب من نوع أخر.. حب غير عادي .. حب غير لي حياتي .. حب له طعم ومذاق خاص .. ومختلف.. لم اعرفه , ولم أجربه من قبل .. حب غير تقليدي.. وهي أيضا تبادلني نفس الشعور .. والإحساس أظن ذلك ….!!
خرجت من تداعياتي .. وشرودي الطويل .. نظرت إليها وهي لا تزال تبتسم ليَّ .. وأنا لم أزل أحدث نفسي ..
” أنا الذي كانت أرفض الزواج التقليدي من حيث المبدأ , وزواج الصالونات اصلاً كيف صممت علي الزواج منها .. برغم إنني لم أرها إلا مرة واحدة فقط .. وربما كانت دعوة في ساعة استجابة لأمي .. فأعطانِها الله .. امرأة صالحة .. إنسانه تقية وعلي الفطرة .. أو بمعني أخر صفحة بيضاء لم تلوث بعد .. مادة خام من الطيبة .. ولوحة جميلة من الطبيعة البكر .. خبرتها في الحياة محدودة .. تشبه أمي ــ الله يرحمها ـ تماما بتمام .. وربما كان قدرا مقدورا .. زواجنا كان تقليديً بكل المقاييس أو إن شئت قل قدر ونصيب ..أو قل ما شئت من مسميات .. لكن تبقى الحقيقة لا يمكن انكارها الا وهي كانت مقسمة ليِّ .. كنت مسلوب الإرادة أمامها وكنت منساقاً إلي القدر المحكم .. لينفذ الله أمرا كان مفعولا.. فهي أم أولادي.. رزقني الله منها الولد .. وهبت لي كل حياتها .. وأعطتني كل ما تملك .. قلبها , وروحها الجميلة .. واختارتني , وأنا اخترتها من دون النساء .. لنعيش معا تحت سقف واحد .. وتشاركني الحياة بحلوها , ومرها .. وفرحها , وترحها .. هي لا تستطيع العيش بدونيّ .. أو الاستغناء عنيّ لحظة واحدة , أو طرفة عيين …
فكيف أفاتحها في الموضوع .. وكيف بها لو عرفت .. وكيف سيكون ردت فعلها لو أخبرتها بأني سأتزوج عليها .. ترى ماذا سيحدث ….؟ !!!..
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر
26 / 2 / 2015 يوم الخميس الساعة الثانية صباحاً