بقلم الكاتبة الجزائرية فاطمة حفيظ
متابعة / سامح الخطيب
مع كل هذه القدسية الراسخة، كان من الضروري وجود لمعة جديدة تنطوي على قلوب محبي القطع النفيسة. لم يكن هذا الخبير سوى سكيرا منطفىء العينين و ضائع بأروقة البندقية.
في عمق المدينة، يجب أن يعرف أن يعلم الجميع أن جوهر الإنسانية يعاني من ثراء مدقع و مرتحل مع مواسم الموضة التي تجلب العارضات من جنوب الهند، اثيوبيا، و الطوغو.
بعد تعرضهن للجوع الشديد، يعلقن على كتفيهن الفساتين المرصعة باللؤلؤ و يتمايلن على حافة كعب ، و تتشابك الموهبة و التفنن كما تتشابك النظرات الأولى بين الحبيبين.
في أجندات اللؤلؤ، لا يمكن أن نتفق سوى على تحول النموذج الافتراضي للأنثى من إنسان إلى فرد من قطيع يسهل قيادته ، و لا شيء سوى اللؤلؤ و ما يحيط به من أحجار نفيسة يستطيع تصحيح هذه الطبيعة تصحيحا صوريا متقنا…
كان مساءا ربيعيا معتدلا حيث أمضى الخبير، سيرجيو، وقتا طويلا برفقة أحد الزبونات المبجلات في عالم اللؤلؤ
– سيرجيو ، ألا يوجد عقد بصبغة زرقاء لامعة ؟
– بلى ، يا سيدتي ، لكن لقد خبأته إكراما لحقيبتك التي استدرجتها الأحذية الفرنسية
نظر إليها بإعجاب و قبل يدها و هو يتقلب بين ابتسامته الشغوفة بأصابعها…
– هذه ذريعة لا بأس بها كي تواري العقد بعيدا عن أسئلتي
– هل تعشقين الحماقة يا عزيزتي ؟
– هل زالت غشاوة الثمالة يا سيرجيو؟ ، لقد كنت ثملا طيلة الأسبوع الماضي.
– كلا ، لم أفعل، فأنا لم أستطيع تقبيلك إلى حد الآن ، ثم عض شفته و أمسك خصلة جلبها التيار الهوائي إلى أصابعه.
لم تنبس سيدة روما بكلمة ثم تكلمت بنبرة هائمة بين علامات التعجب :
– هل تعتقد أن مثل هذه التنبؤات في سلوكات رجل قد خبر النساء و اللؤلؤ معا ؟
– و خبر الجمال أيضا، حبيبتي.
– خذي رشفات هذا الكأس.
– لا أشرب إلا بمناسبة ما يا سيرجيو
– حاولي الابتعاد عن ترهات الكنائس، ألا تزالين تلك الايطالية التقليدية و المتدينة التافهة عزيزتي و استمتعي، لقد توفي الرب الذي سيحاسبنا على الخطايا…
أخذت الكأس ، ثم واصلت قائلة :
– متى كانت آخر مرة صليت للرب يا سيرجيو ؟
– منذ أن رأيت معاناة رعايا الأبرشيات و خداعهم باستثناء الأيام التي تحظى فيها الأناجيل بقراءة تشبه قراءة أسطورة إغريقية سخيفة. كنت دائم الشرب و القمار منذ طفولتي، فهما أجمل من لعنات بائعي صكوك الغفران.
– أنت وثني جدا يا سيرجيو ، أعتقد أنك تعبد اللؤلؤ مثلما تخبئه .
– و بإمكان كل شخص منا أن يتجاوز تفاهة تأويلات الكتاب المقدس و يبني تأويلاته كما يشاء. الحماقة تغتال فكرك الساذج و ترهقه . هل يمكنني أن أسألك سؤالا؟
– هل تعتقدين أنه لا يوجد مذنب بين البناة الروحيين للاسقفيات و الكتدرائيات؟ هل هم في عصمة من حواسهم كي يبيعوا لنا صكوكا ؟
ارتشفت هذه السيدة المتدينة كأسا تلو الآخر دون أن تشعر ، لقد كانت تائهة بحق، لم يحدثها أحد سكان روما بهذا الشكل أبدا… و بارتباك ، عادت إلى العقد :
– هل يمكن أن أرى العقد الآن؟
– حسنا، ثم قدم لها علبة بيضاء مستطيلة
– ما هذا بحق السماء ؟
– إنه عقد بجعة الجنة
– كم سعره ؟
– سأجعله بمئة ألف دولار
– لسيدة مثلي ؟
– طبعا، سيصبح بتسعين ألف دولار إكراما لصداقتنا
– ثم اقتربت منه و ابتسمت ، خذ هذا الشيك و خذ مالك من المصرف.
اخذت السيدة العقد و هي تتماثل إلى الثمالة و لكنها كانت بمنتهى السعادة و غادرت إلى حلفة تجمع الفنانين التشكيليين بمدينة ليون الفرنسية.
في الصباح ، و بغرفة الفندق ، وضعت العقد على عنقها ، فوقع منها منكسرا ، … لم يكن عقد بجعة الجنة حقيقيا أبدا ، فلم تفلح أبدا في خداع خبير اللؤلؤ الذي أبدل تلك العلبة بشبيهتها و هو يلفها بكيس لها. أما سيرجيو فقد عاد هذا الصباح من المصرف بعد أن أعلمه عامل المصرف أنه لا يوجد بالحساب سوى أربع دولارات.