مَرْوِياتُ مَساءٍ صَيْفي …

مَرْوِياتُ مَساءٍ صَيْفي ...
مَرْوِياتُ مَساءٍ صَيْفي ...

مَرْوِياتُ مَساءٍ صَيْفي …

بقلم : ا / د / بومدين جلالي..

من بحرياتي الأدبية الصيفية … هدية إلى قرائي في هذا المساء :

جالسٌ أنا على هضَبةٍ تعْلو الشاطئَ بقليلٍ والشمسُ ببطْءٍ تَسيرُ نحْوَ غروبها على مَعْزوفاتِ مَوْجٍ هادئ خفيفٍ وروحي تُرافقُها مَرَّةً بحميميةٍ بحْريةٍ كانتْ ذاتَ زمنٍ بعيدٍ حميميةً رمْليةً ونحْنُ معاً في رِحابِ صحْراءَ يتصاعدُ منْها المجْدُ والجمالُ متلألِئَيْنِ في كلّ مكانٍ، وتُغادرُها مرّةً لِترْصُدَ تاريخَ الغِيابِ والحُضور في مَسارات الأيّام والدُّهور والأرضُ تدور والأخْبارُ تنْجلي ثم تَغور والوجوهُ تتداولُ الغُبْنَ والسّرور منْ غيْر أنْ يوقفَها مُباحٌ أو محْظور …

جالسٌ أنا وهذه الشمسُ تُعْجبُني بهذا البهاءِ المَسائي الغارقِ في الإبْهاج وتُزْعجُني بتلهُّفِها للبحْر كي تغْطسَ فيه أكْثر مِنِ اهْتمامها بالبَشَر الذين يُراودونَ سحْرَها الدائري باخْتلاسِ النّظَراتِ إليْها في حياءٍ ذكيٍّ وحَيويةٍ تُمارسُ الإغْراءَ دونما إغْراء …

جالسٌ أنا وهذا البحْرُ المُمْتدّ الممتد يخْطفُني من تُرابي وما خلفَه إلى مائه وما خلفَه … هُنا أمامي تتَشكّلُ الأجْسادُ ماءً ويتشكّل الماءُ أجساداً في فوْضى مُنظّمةٍ يَعْزفُ لها الشاطئُ ألْحاناً آتيةً من غيْبِ الشّجَرِ والحجَر والنوارسِ، وذلك الجَبلُ القابعُ هناك بوقارٍ يَسْردُ حكاياتِ الذين مرُّوا من هنا ولم يتْركوا أثراً دالّاً على شيءٍ يُذكَر …وهناك دونَ الأفق الأزْرقِ الحالِم تتهادى بعضُ الزّوارقِ كأنها ثمِلةٌ أوْ مُنْبهِرةٌ والمياهُ تُداعبُها بحبٍّ وأناقةٍ فيهما مَشْهَديةٌ ملحميةٌ فلسفيةٌ سِياحيةٌ تَنْزاحُ إلى تساؤلاتٍ بحرية جعلتِ البحرَ سحْراً والمَلّاحَ ساحراً بِصِيَغٍ تتغيّرُ لكنّها لا تَغيبُ ولا تبْلى أبداً أبدا …

وهنالك بعيداً بعيداً في نهاية الأفقِ وبداية أعالى البحْرِ لا يظهرُ شيءٌ ماديّ يستحقُّ الوصْفَ ما عدا اللّوْن الأزْرق الدّاكن الذي ينْتظر الشمسَ بصمْتٍ سعيدٍ وهي تتوجّهُ إليه دونما أدْنى حرَجٍ أوِ ارْتِجاجٍ، وبالتّوازي يظهرُ بلْ يتجَلّي كلُّ شيءٍ رمْزيٍّ ينْأى عن المادية الجافة إذْ يُرَى السِّنْدِبادُ عابراً وعروسُ البحر تستحمُّ والجنيُّ الأزرقُ يصولُ ويجول وأبْطالُ الملاحمِ يتعاركون ويتصالحون وقراصِنةُ الأساطير يتربّصون والعشّاقُ فوْق مُتونِ غزلياتِهم يجْذفون حالمين بين الأمواج، والدُّنيا غيْر الدنيا التي ألفناها وسئمْنا منْها حتّى بات الذّوَبانُ في الخيالِ هِبَةً إلهِيةً يتلقّاها الذين سَكَنوا الصفاءَ وسكنَهم الصّفاء …

يا للْجمالِ والأشعّةُ الشمْسيةُ المسائية الباهتة تتشكّلُ على وجْه البحر لوَحاتٍ لامعةً فيها بعْضُ ما رسمَتْهُ النفْسُ في خفايا النفسِ وهي تُحاول أنْ تنْمازَ عنْ كل نفْسٍ، كما فيها بعضُ ما خلّدهُ الوشْمُ ونحَتهُ النحتُ وعبّرتْ عنه مختلفُ آلياتِ التعابير واستثْمرتْه الثقافاتُ الشعبية المتوارثة وهي كالشمسِ تُشرقُ وتَغرب دون كللٍ ولا مللٍ ولا وَجَل !!!

يا للْعظمةِ لما تُدْركُ العيْنان – وهُما تستخدمان البصيرة لا البصرَ فقط – مدى التفاصُلِ والتواصُل والتداخُل والتفاعُلِ بين جميع مُكونات هذا الوجودِ بإتْقانٍ لا خللَ فيه وبهاءٍ لا ثِلْبَ معه وغاياتٍ لا يعلمُها جميعَها إلا باريها ومصوِّرُها !!!

يا للْمُتعةِ لمّا ينْطلقُ قلمي ناقِلاً مشاهداتِ أحاسيسي في عوالم التخْييلِ والبصيرةِ إلى تعْبير يُؤطِّرُهُ واقعُ المُشاهدةِ ليُشاركَني فيه المتلقي بذوقه ورؤيته وثقافته وتجربته في الحياة !!!