التطرف بين الدين و العلمانية

بقلم/ الدكتور ظريف حسين رئيس قسم الفلسفة بأداب الزقازيق..

“العلمانية” مصطلح ينتمي إلي العصور الوسطي و يعني فيما يعنيه -ببساطة شديدة – فصل سلطة رجال الدين عن سلطة الحكومات،ولكن المتطرفين الدينيين في كل عصر يعترضون علي هذا المبدأ الذي يؤدي تطبيقه إلي إنهاء سلطانهم علي غيرهم،فيلجأون دائما إلي حيلة خبيثة ألا و هي تكفير مخالفيهم،و ما تزال هذه الحيلة سارية المفعول حتي اليوم كما نري.
و غرضهم الأول هو إرهاب كل من يخالف فهمهم للعقائد برغم عدم وجود تفسير صحيح صحة مطلقة لها.و تنشأ المشكلة من الميل الدائم لتحويل العقيدة إلي أشكال اجتماعية تجعل فكرة “الوصاية” هي الأقوي حتي من مضمون العقيدة نفسها و الذي هو موضوع “الوصاية”.
فطبقا لمبدأ” الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر” يمكن لهؤلاء الزعم بوجوب فرض عقائدهم – كما يفهمونها -علي غيرهم و سلب حرياتهم،و المزايدة علي الآخرين بالإيمان الذي هو بالأساس شعور خاص لا يجب تحويله إلي شكل اجتماعي(جماعة) أو إلي مؤسسة،و هو ما يعنيه في الفقه مصطلح “الحِسبة”.
و لنتجنب كل هذه المشكلات الناتجة عن الاختلافات في الأفهام يجب أن نلجأ إلي المشترك بين الناس جميعا أعني “العلم”و أن نبتعد عن كل ما يتعلق بالعقائد الخاصة التي يزعم المتطرفون أنها عامة و مطلقة.و هذا إنما يكون بالاحتكام إلي القوانين التي يتفق الناس علي صياغتها،أعني القوانين الوضعية-و لا يعني هذا بالضرورة استبعاد الشريعة،(برغم أن الالحاد موقف إنساني محايد،استنادا إلي حرية العقائد) -بل لتجنب الاختلافات بين مواطني الدولة الواحدة من مختلف الديانات،و الأهم هو التخلص من الميل إلي الاستيلاء علي السلطة باسم الدين.
و بذلك تكون العلمانية هي الأنسب في مجال السياسة لأنها تتبني العلم الذي يتلخص تعريفه فيما هو” قابل للتحقق منه إما بالتجارب او بالرياضيات،أي فيما هو منفصل عن قناعاتنا الشخصية التي هي مناط الاختلاف”.
و بذلك تكون العلمانية هي التمسك بالمنهج العلمي في السياسة كما في كل شيء آخر، فالعلمانية تأخذ اسمها من العلم تماما كما تأخذه من العالَم( بمعني الواقع المحسوس).
و لكن أعظم معاني العلمانية يظل هو المتعلق بحق الإنسان في اختيار عقيدته؛فليس من حق العلمانيين التضييق علي المؤمنين و التنكيل بهم،و ممارسة الإرهاب ضدهم بدعوي “الحرية”،فاحترام المعتقدات يجب أن يكون من جميع الأطراف،و إلا تحولت العلمانية إلي ديانة جديدة تستبعد غيرها من الديانات،و في هذه الحالة سيكون الحال:لا جديد!