الجلسة رقم 112

80419078 716215158901371 44864820352122880 o

بقلم :فاطمة حفيظ – الجزائر

– ما الذي يجعل تنهض باكرا ، و تجلس قرب جذع هذه الشجرة ؟
– لا شيء ، أحاول تطوير حاسة اللمس بين أصابعي و تناسي كلمات عالقة بذهني ، و صورة تحمل ملامحك الرخيصة
– سأقوم بتهشيم رأسك لتنتهي كل أفكارك و صورك
– سأجعلك كتلة لحمية هادئة تحت ركام هذه الشجرة ، و ربما أجعل بعض قطع زجاج نظارتك يلمع بداخل عينك المنكسرة
– ما الذي يجعلك تعتقد أنك قوي لهذه الدرجة ؟
– نفس السبب الذي يجعلك تعتقد أنك معالج نفسي، أخبرني عن قصتك ، لما اخترت النهوض من فراشك بدل البقاء في غرفتك بجانب حبيبتك المراهقة السمراء
– لأنني صاحب قرار
– حقا ؟ ، و ماذا لو أخبروك أن مرتبك اليوميسيصلك إلى باب غرفتك دون أن تحمل جثتك من أحضان فراشك الدافىء؟
– سآتي للإستمتاع بمحاورتك
( تداخل قهقهة أطلقت سراح جدية الحوار بين الإثنين)
– يسرني رحيلك رفقة أكاذيبك و مجاملتك التافهة ، أيها الحشرة الطائرة
– حشرة ؟ ، من منا الذي يحلق فوق حقيقته و لا يلمسها بجناحيه ؟
– لم تجب نفسك ، و لو لمرة واحدة ، إجابة تحمل حقيقة ممارسة قوة إجبارية تسحبك من فراشك، قوة تسحب قراراتك من عقلك،..
– ” اقلب دومينو” ، فلنلعب بشكل جاد ، صديقي ، فلم يعد بإمكاني التركيز أكثر بتفاهة هواجسك
– انه حصار الطمع و قوته ، يا حضرة الحكيم
– (استحقار و تملق) ، استطيع التبرع بكل ما أملكه لفائدة جمعيات خيرية ، و لن أتأسف أبدا ، ستبقى ابتسامتي ، ستراها بعينيك الضيقتين
– طمع إضافي آخر، لم تغادره بعد…، لا زلت بعيدا
– ما الذي يجعلك تعتقد أنه طمع آخر؟
– طمع في التحرر من قشور غير مهمة، طمع في جعل العالم يعتقد أنك أفضل مما أنت عليه من الداخل ، طمع يحاكيه الرياء..،أنت لا تصدق حتى حقيقة اختبائك من مشاكل نفسية معقدة جدا..
(بعد أن أزال الحكيم نظارته الطبية القديمة، و وضع يديه بالكامل داخل جيبي سرواله، و ابتسم بإعجاب )
– أنت تتحسن يا صديقي، لكن للأسف لم تكن محقا بشأني..
– وجهك رخو جدا، و يمكنك التلاعب بالانطباعات جيدا، انه بمثابة حساء متعفن ، لا يزال يحتفظ بكونه سائلا، و طبقته البيضاء السامة ذات الملامح اللطيفة..
– الجنون يتوافد عليك مجددا..، لا أتمكن من فهم ما تقوله..
– لقد كل شيء يوشك على الانتهاء ، حين كنت ترتدي بعضا من ثيابك و تزاول مهام ذكر فاشل على جسد مجنونة بلا حركة ، بعد إشباعها بالحقن و حفنات المنومات ، بل لم تتمكن من منع مشاركة الحراس ، و تبادل رشفات الشاي الساخن ، …يالها من ليالي مناوبة جادة و ممتعة بآن
رغم كل ما تعانيه، تجبرها على أخذ حبوب منع حمل تتسبب في زيادة وزنها، و تتخلص من كل شيء قد يرهق تفكيرك..
– هي لا تتألم ، لأنها لا تعلم شيئا عن حقيقة ما يحصل، لذلك فأنا لا أتسبب بألمها
– حقا؟ ، نعم، لا وجود للألم حينما تسلبوننا الإرادة و ترصون الفجوات بألسنتكم..، ما أنتم إلا أشرار تتمنون الجنون لكي تتحرروا ، ..
– لن أجعل أحدا يصدقك ، لقد يئس الجميع من استعادتك لرشدك..
– بل سيفعلون ، ..
أصاب الدكتور جحيم الغضب ، و كان من الصعب إخماده ، ثم غادر و خطواته تفطر طريقا بين أشجار الحديقة، في حين ظل المجنون يصقل صورا لطفل مغمض العينين على جذع الشجرة ..
في المساء، و في فترة تغيير مهام الأطباء و الموظفين بالمصحة، فصل أحد الحراس التيار الكهربائي عن المصحة بالكامل ، انسل الدكتور إلى داخل غرفة المجنون الذي كان يفضل الاستمرار بصقل بعض الأغصان الصغيرة ، و تحويلها إلى أطفال صغار بلا عيون تارة ، و بعيون مغمضة تارة أخرى..
لم يشعر بخفة نعاله الطبي الرشيق، و دفعه من أعلى شرفة غرفته كي يفرغ محتوى رأسه من كل حقيقة و جنون..
ثم ضم شفتيه بدهاء :
“لقد بلغت أعالي عقلك، فمن الأفضل أن تنتحر كمجنون”