المركب المفقودة

FB IMG 1596381425227

بقلم/ مصطفى السبع

قصة مؤلمة لقبطان من قديم الزمان وكان من العائلة المالكة لمسقط رأسه وبدأ يسردها عندما مر به قطار العمر وأصبح حديث الجميع وعندما توجه إليه بعض المهتمين بقصته ليعرفن منه الحقيقة المؤلمة لنهاية القصة التي كانت سببا في نهاية مأساوية لكثير من البشر كانوا على متن هذه المركب وكان هذا القبطان سببا من ضمن أسباب النكسة…

فبدأ يسرد قصته من بداية حياته وبداية حبه لقيادة المركب فقال القبطان كنت دائما أذهب إلى شاطئ البحر لأشاهد سير المراكب في البحر وكنت أتعجب وأسأل نفسى كثيرا لماذا تقطع هذه المراكب المسافات الطويلة في البحار دون أن تغرق وهى تحمل على متنها كمية كبيرة من البشر ولماذا تسير على خط مستقيم طوال فترة الرحلة دون ان تتخلف عن مسيرتها ولماذا تصل الى المكان المحدد دون التخلف او البعد عنه وماهو السر وراء هذه القطعة الخشبية التي تسير وسط الانهار والبحار أصابتني الدهشة عند كل هذه الاسئلة التي سألتها لنفسي وأنا أتأمل هذه المشاهد وفى يوم من الأيام ذهبت الى والدى لأخبره عن ما اشاهده كل يوم وانى أود أن أكون قائدا لقيادة مركب من هذه المراكب التي تسير بالبحار والأنهار وسألته أيضا كيف أتعلم قيادة المركب فنظر إلي والدى وقال لي عليك أن تتأهل لهذا العمل من خلال دراسة كافيه لقيادة المركب لأنها تحتاج مجهود كبير ووعى كبير وتركيز وقوة تحمل وأن تكون على قدر كبير من تحمل المسؤولية.
وفى الدراسة ايضا ستتعلم كيف تقودها وكيف تقود كل الطاقم المساعد لك على متنها فهذا البند يحتاج اهتماما كبيرا حتى تكتمل الرحلة بنجاح.
حماس الشباب طغى علي وقُلت لوالدي أننى على اتم الاستعداد للتأهل لقيادة هذه المركب وانى سوف أهتم بفترة الدراسة وسوف أستوعبها جيدا حتى أكون قبطانا على قدر كبير من تحمل المسؤولية في قيادة هذه المركب .

بدأت فترة الإعداد والتدريب وتفوقت على نفسى وقبلت التحدي حتى انتهيت من الفترة التدريبية وحينها سوف يتم ترشيحي لقيادة مركب من ضمن المراكب الموجودة فتم اختيار مركب ما لأقودها وقمت باختيار الطاقم المساعد لي بنفسي وبدأت أجتمع بهم حتى أقرب المسافات بيني وبينهم وبدأت في توزيع الادوار والمهام عليهم وطالبت منهم الجدية في العمل حتى يشهد لهم الجميع بالنجاح والتميز .
ولأن الحياة ليست على وتيرة واحده فأيضا البشر هم كذلك ليسوا على وتيرة واحده فكلهم مختلفون في آرائهم وافكارهم وهى سبب الكوارث التي تحدث بين الشعوب .
كان من بين طاقم المركب الذى اقودها أشخاص تمتلأ قلوبهم بالطمع والغش والمكر فكانوا يتنافسون في الضرر فعندما يحدث خلل في أي نظام من أنظمة المركب الحساسة، ترى الآخرون يستهزئون بالمسؤول عن هذا الخلل مع العلم بأن جميعهم بنفس المركب فكان ولابد ان يجتمع الجميع ليساهم ويساعد ويشارك من اجل بقاء المركب ولكن الطمع غلاب على الانسان لم يترك بداخله الخير ولا تدبير الأمور ففي يوم من الايام بدأنا رحلتنا وبدأت أنا كقائد للمركب السير إلى الأمام بعدما تأكدت من تأمين كل المخارج والمداخل وتوفير كافة أجهزة الأمان أثناء عملية الرحلة وعلى متنها حوالى اكثر من ألفين شخص.
فالأمر ليس بسهل واستدعيت الطاقم بالكامل حتى احثهم على التعاون المشترك حتى تنتهى الرحلة بسلام، وقد خصصت لكل فرد بطاقم المركب تخصصه حتى يتابعه اول بأول واثناء سير المركب! حدث خلل في جزء من أجزاء المركب وظهرت نوايا البعض! حيث تركوا المشكلة الرئيسية التي من الممكن أن تحدث كارثه بسببها والأهم من ذلك هو أن هناك فرد من ضمن طاقم المركب قد شاهد هذا الخلل الفني ولكن بسبب سوء نيته وحقده على الاخرين ترك الأمر ولم يبلغ عنه ليضع الفني المسؤول عن هذا الخلل في ورطه ونسيا تماما أن هذه المركب مترابطة مع بعضها واي خلل فيها قد يصيبها بالكامل ولكن هذا الشخص بسبب سوء النية وعدم ادراك العملية الحسابية لنسبة هذا الخطر تركه حتى وصل للنسبة الكبيرة التي أدت إلى حدوث كارثة أصابت المركب بعدم التوازن ثم بدأت تنحدر إلى قاع البحر رويدا رويدا وعندها قمنا بتشغيل مفاتيح إنذار الطوارئ حتى يستعد كل من في هذا المركب للاستعانة بقارب الأمان ليستخدمه لإنقاذ الجميع ولكنني شعرت بحاجه أغرب من الخيال ونحن على مشارف الغرق وجدت الجميع يهرول رجالا ونساء تاركين ما يخصهم لينقذوا أنفسهم فقط من الغرق حتى طاقم المركب لا اراهم أمامي فالجميع هرب ليبحث عن قارب النجاة فوجدتهم تاركين كل البشر الموجودين بالمركب يعتمدون على انفسهم وهم لا يعلمون كيفية استخدام وسائل الأمان فهربوا طاقم المركب وتركوا الجميع في حيرة وفى جحيم ووجدت نفسي وحيدا أمام هذه الكارثة فماذا انا بفاعل لقد قررت عدم الهروب والاستمرار معهم لأبحث عن طريقة كيف أخبرهم عن وسائل الامان وكيف يستخدمونها ولكن الاعداد كثيرة من حولي وانا بمفردي فذهبت إلى تشغيل الاذاعة الداخلية حتى اتحدث إليهم كيف يدبرون أمورهم وكيف يستخدمون وسائل الأمان ولكنني فوجئت بأن كل وسائل الاتصالات لا تعمل فأصابني اليأس وصعدت مرة أخرى على ظهر المركب لأكون بجوارهم وانا ارى الجميع في قلق وتوتر ومنهم من رمى نفسه بالمحيط بسبب اليأس ومنهم من يجرى يمينا ويسارا بطريقة هستيرية من شدة الرعب والخوف أرى البكاء في عيون الكبار والصغار الرجال والنساء أرى فيهم الشعور بالندم،
ثم قمت بالصعود إلى أعلى مكان بالمركب ورفعت صوتي لأنادي الجميع وأطلب منهم الصمت حتى اتمكن من شرح كيفية استخدام وسائل الامان ولكن لا جدوى من كل هذه المحاولات فاستسلمت للأمر وعزمت ان لا أترك هذه المركب لأنني أتحمل كل هذه الأحداث فتركت نفسي أواجه المصير مع الجميع وتركت زمام الامور لهم فبدأ البعض يحاول مجتهدا أن يستخدم وسائل الامان ولكنهم لا يعلمون كيف تستخدم ثم بدأت الضحايا تتساقط وانا جالسا على جزء علوى من المركب اترقب الأمر في هدوء أنتظر دوري لأنني اتخذت قراري بعدم الهروب من المسؤولية فليكن مصيري هو نفس مصير الجميع .وبعد مرور الوقت استشعرت التعب والإرهاق الشديد فانتابتني السعادة لأنني سوف أنام ويأتيني مصيري دون أن اراه واستسلمت للنعاس بالفعل فترة طويلة وعندما أفقت من نومى فوجئت بانعدام الاصوات من حولي لا أسمع شيء لا رجال ولا نساء ولا أطفال ورأيتهم جثث فوق ماء المحيط حتى أجزاء المركب لا اراها ولا يوجد سوى الجزء الذى اجلس عليه اشتد البرد من حولي وانا جالسا بنفس المكان وحزنت حزنا شديدا لأنني أفقت من نومى مرة ثانيه وكنت اتمنى أن تكون هي نهايتي دون أن اراها ولكن إرادة الله هي الأقوى .
دخل علي الليل المظلم وانا لا اعلم أين مصيري وعندما أشرق يوما جديدا وجدت أصواتا تقترب منى إنها اصوات مركب أخر فنظرت إلى اتجاه الصوت وبعدها ظهرت أمامي المركب فقمت واقفا وخلعت قميصي وبدأت ألوح لهم حتى أنبههم بالمكان الذى أتواجد فيه وبالفعل بدأوا التقرب منى حتى وصلوا لي ثم وضعوني فوق ظهر المركب ومن شدة فرحى وسعادتي أصابني الإغماء لفترة قصيرة وقاموا طاقم المركب بإسعافي حتى أفيق من هذا الإغماء وعند عودتي إلى مسقط رأسي واثناء سير المركب وجدت طاقم مركبي جثث فوق مياه المحيط فطلبت من قبطان المركب الذى انقذني ان ينتظر قليلا حتى أرى كيف اصبحوا جثث وهما من فروا في بداية حدوث الكارثة فبحثت عن القارب الذى استخدموه للهروب فلم اجده ولكنني كنت أركز في البحث عن الشخص الذى كنت ارى فيه نواياه السيئة وحقده على زملاءه وعندما اقتربت منه وجدته هو الوحيد الذى يربط زراعه بقميصه فاستغربت لهذا الأمر فطلبت من افراد طاقم المركب أن يأتي لنا بهذا القميص حتى نرى السبب وراء ذلك وعندما حصلنا على القميص فوجدنا به خطوطا مرسومه بجوار بعضها وانتهت جميعها عند نقطة واحدة أستغربنا جميعا لهذه الخطوط مع العلم بان كلها محاور ومنحنيات دائرية ولكنها تصب في النهاية إلى نقطة واحدة فأخذنا القميص واتجهنا إلى مسقط رأسي وعند وصولي وجدت والدى ينتظرني وعلمت منه بأنه هو الذى أبلغ هذه المركب بالبحث عنى عندما شعر بغيابي الطويل فقمت بسرد القصة له من بدايتها حتى نهايتها إلى ان وجدت هذا القميص وسألت والدى على هذه الخطوط والمنحنيات ونقطة النهاية التي تجمعت فيها كل هذه الخطوط.
صمت والدى بضع دقائق ثم قال لي فعلا انها حالة غريبة وانا ايضا في حيرة من التفكير ماذا يقصد هذا الشخص من هذه الخطوط المحورية التي رسمها على قميصه؟
والدى كان حكيما وهادئا ففكر كثيرا في هذا الأمر ثم ذهب إلى عرافيا ليطرح له القصة فطلب العراف من والدى ان يتركه يومان حتى يصل إلى حقيقة الامر وبعد يومان ذهبنا إلى العراف لنعرف منه الحقيقة
فطلب منى العراف ان اسرد له حكايات هذا الشخص معي أثناء الرحلة فتحدثت معه عن كل التفاصيل بداية من فترة التدريب واختياري للأشخاص الذين يقودون معي المسيرة
فنظر إلي العراف وقال لي اسمع ما اقوله لك.
أنت في بداية الأمر كان اختيارك خاطئ لاختيار العناصر التي تساعدك في هذه المسيرة لتخرج منها بأمان.
فقد زرعت فيهم حماسهم للعمل قبل ان تزرع فيهم حبهم لبعض وخوفهم على بعض وتحملهم للمسؤولية وحماية الآخرين حتى وصل بهم الأمر أيضا للطمع والغرور والنظر إلى مصالحهم الشخصية دون التفكير في الآخرين.
وها قد ثبتت رؤيتي لهذا الحديث فعندما حدث الخلل بالمركب ولم يتم الابلاغ عنه من خلال هذا الشخص فهو اول من اكتشف هذا الخلل فظن أن الضرر سيقع على زميله فقط،
نتيجة سوء تقدير الحالة والتي عجز عنها بسبب سوء نيته وحقده على زملاءه وعندما تصاعدت نسبة الخطورة فروا هاربين تاركين الجميع يواجهون المصير حتى انت لم يشغل بالهم بك وتركوك بمفردك تواجه المصير .
وعندما ذهبوا بقارب النجاة وقطعوا مسافات طويلة فوجئوا بحدوث خلل ايضا بهذا القارب فننتابهم الخوف وبحثوا عن حل لإصلاح هذا الخلل سألوا انفسهم لماذا اخذنا هذا القارب دون التأكد من سلامته وعندما بدأ القارب ينعدم توازنه وينحدر نحو قاع المحيط فقفز البعض منهم ليعتمد على نفسه وتركوا هذا الشخص بمفرده فقام بخلع قميصه ليرسم عليه هذه الخطوط المحورية والمنحنيات الدائرية ورسم في أخرها نقطة تجمعت فيها هذه الخطوط.
ثم أكمل العراف حديثه عن هذه الخطوط فقال اجابته المختصرة انها خطوط الحياة التي تسير عليها البشرية منها المحورية ومنها المنحنيات الدائرية ولكنها في النهاية تصب في نقطة واحدة الا وهى نهاية البشر نعم طرق الحياة كثيرة ولكن نهايتها هي نقطة واحده.
فنظر لي العراف وقال لي بأن هذا الشخص تدارك كل الافعال التي فعلها طوال حياته في بضعة دقائق عندما أحس بأنه وصل بالفعل الى نقطة نهايته وعندها ترك رسالة للبشرية بأنهم مهما سلكوا جميع الطرق بجميع اشكالها فنهايتهم هي تلك هذه النقطة.

فتركنا العراف انا ووالدي وتوجهنا إلى منزلنا وحينها أيقنت بأن الله جعل لي عمرا آخر حتى أعرف حقيقة الحياة وأن اختيار الأشخاص لتولى المهام الصعبة لابد أن تكون على دراية كامله وحقيقية وتحليل شخصيتهم ومدى نسبة تحملهم للمسؤولية حتى نسير نحو طريق النجاح ونحن في في أمان.

وبعد ذلك طلبت من والدى أن يساعدني بفتح مركز تدريبي خاص بي حتى اقوم بتعليم الأجيال القادمة من خلال تجربتي حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى وأن يتعلموا كيفية تحمل المسؤولية ومن قبلها تبادل الحب والاخلاص بينهم حتى تكتمل وتنتهي أى رحلة بالنجاح والسلام للجميع.

وانتهت قصتي مع رفقائي ومع المركب المفقودة…القبطان الثائر بطل القصة

                             "مصطفى السبع"