ترسيخ دعائم التنمية في مواجهة االفكار المتطرفة والمنحرفة

1 8

بقلم : الدكتور عادل عامر

الملخص: إن المحافظة على مكانتنا الجيوسياسية لن تكون إال بتحقيق التكافل الفكري المستند إلى

القيم المشتركة، وتعزيز التكامل والتعاون بين دول اإلقليم إليجاد عوامل مشتركة ضمن قطاعات

المياه والطاقة والبيئة والتعليم والصحة«.

قد تطور مفهوم التنمية ليتجاوز المفاهيم الكمية، التي حصرت التنمية في أرقام وحسابات

االقتصادية، وليرتبط بالعديد من الحقول المعرفية واالجتماعية واشتمالها على مختلف قطاعات

المجتمع، بهدف إحداث التكافؤ االجتماعي والتوزيع العادل للثروة داخل الدولة، وكذلك إعطاء

أولوية متقدمة لتنمية القدرات البشرية،

فأصبحت هناك التنمية الثقافية التي تسعى لرفع مستوى الثقافة في المجتمع وترقية اإلنسان،

وكذلك التنمية االجتماعية التي تهدف إلى تطوير التفاعالت المجتمعية بين أطراف المجتمع:

الفرد، الجماعة، المؤسسات االجتماعية المختلفة، والمنظمات األهلية باإلضافة لذلك استحدث

مفهوم التنمية البشرية الذي يهتم بدعم قدرات الفرد وقياس مستوى معيشته وتحسين أوضاعه

في مجتمعه،

وهو ما تطور بعد ذلك فيما يسمى ” التنمية التشاركية ” التي ال تدمج مختلف القطاعات

والشرائح السكانية والفئات االجتماعية في العملية التنموية، تمهيدا إلعالن ” كوكويوك ” بأن

الغرض من التنمية ” أال يكون تنمية األشياء بل تنمية اإلنسان “، وأن ” أية عملية ال تؤدي إلى

تلبية االحتياجات األساسية لإلنسان أو تعوقها فهي صورة مشوهة لفكرة التنمية”

يجب االعتراف بأن جذور هذه الفئة ليست حديثة وال غريبة على بيئة التراث اإلسالمي، فإن

التطرف الحديث إنما هو إعادة إنتاج لحركات الشغب، ومحشي الحروب، واالضطرابات في

التاريخ اإلسالمي، الذين يتخذون في الغالب اسم الخوارج،

وهم فئات كثيرة، ظهرت جذورها وبذورها األولى في وقت مبكر من تاريخ المسلمين، واشتهرت

بمقوالتها وبمواقفها التكفيرية للحكام وللمجتمع، وتهييج العامة، ورفع السالح في وجه المخالف،

الكثي ر من مشاريعها، وأ ْسد ت خدمة مجانية ألعدائها. األمة واجهضت وقد أرهقت

نتجاوز هذه اإلشارة لنقول: إن المعارف المسببة للتطرف بعضها ليس جديداً، وإنما هو وريث

لفكر كان في تراثنا وتاريخنا، وهو عالقة هذه الفئات الخارجة بالنص، باعتبار أنها فقدت الصواب

في التعامل مع واقع النصوص،

وجانبت الصدق في استشهادها بها وجهلت الحق. إ ن فكر الخوارج بفرقها الكثيرة، يتميز بحرفية

في الفهم بال تأويل وال تعليل، واجتزائي ة في الدليل وفروع بال أصول، واألخ ذ بالجزئيات مع إهمال

الكليات.

وعلية رأي الباحث أهمية تناول هذا الموضوع إن المتغيّرات المتسارعة في المنطقة والعالم خالل

العقود األخيرة تدعو إلى تفحص أسباب االضطرابات المتراكمة، والتنبّه إلى تداعياتها من أشكال

التط ّر واإلرهاب أن تستغلّه لصالح أجنداتها، واالنتقال العنف والصراعات، مما استطاعت قوى ف

منهجي رشيد نحو مجتمع المعرفة، وترسيخ ثقافة العمل واإلنتاج، وتوطين التكنولوجيا، وتجنّب

تداعيات االقتصاد الريعي وأخطار اإلقصاء والتهميش، وإحالل مبدأ المشاركة.

إذا تم تسليط األضواء أن اإلرهاب المادي هو نتيجة فكر متطرف مبني على التجهيل والشعارات

التي تسيس الدين والصيغ غير العقالنية، وأن المواجهة المثلى تكون باالستثمار في التربية

2

والتعليم والتنمية المستدامة، وأن تغيير الواقع نحو النهوض يتطلب ترسيخ قواعد التنمية واألمن

واالستقرار«.

وعلية فقد بينت نتائج الدراسة أنه من دون تنمية اقتصادية واجتماعية لن يكتب للجهود األمنية

والعسكرية النجاح في مواجهة التطرف واإلرهاب، وأن تتوجه استراتيجيات التنمية نحو اإلنسان

العربي وفقاً الحتياجاته الحقيقية.

وان تكون مواجهة التطرف شاملة تجاه ظواهر مصاحبة وتؤثر سلبياً على المجتمعات العربية

في جميع شرائحها، ال سيما الشباب، مثل الفوضى واالنفالت األخالقي، وضعف الوالء للوطن،

وتشتت الهوية، واالرتكان ألفكار العولمة، وبحيث تكون هناك استراتيجية مواجهة عربية شاملة

تتسم بالواقعية والمرونة، كون التطرف عابر للحدود ويؤثر بشدة على المجتمعات العربية

وتحقيق أهدافها الطموحة«.

واظهرت الدراسة أنه من دون تنمية اقتصادية واجتماعية لن يكتب للجهود األمنية والعسكرية

النجاح في مواجهة التطرف واإلرهاب«.

أن تتوجه استراتيجيات التنمية نحو اإلنسان العربي وفقاً الحتياجاته الحقيقية، وبأن تكون مواجهة

ظواهر التطرف شاملة تجاه ظواهر مصاحبة وتؤثر سلبياً على المجتمعات العربية في جميع

شرائحها، وال سيما الشباب

وخلصت الدراسة أن أحد أسباب اإلشكال الذي تعانيه األمة العربية هو غياب الفكر عن وسائل

اإلعالم، وكذلك غياب اإلعالم عن نشر آراء المفكرين، وأن التيار المتشدد والمتطرف استطاع أن

ينسج معادلة ناجحة بين الفكر المتزمت واإلعالم واالقتصاد، وتم تسويق هذا الفكر عبر الصحافة

والفضائيات ووسائل التواصل االجتماعي، بينما أخفق دعاة التنوير في مثل هذا الربط للفكر

واالقتصاد واإلعالم، فاختفى التنوير وامتألت األدمغة الشابة بالفكر الظالمي. في ضوء ذلك

يري الباحث أهمية ترسيخ القيم اإليجابية، واحترام األديان والمذاهب، واالبتعاد عن أسلوب

التفرقة وكل ما يثير العنصرية والتمايز باللفظ أو الفعل، وأن خطاب الكراهية هو مفتاح اإلرهاب

والعنف والتحريض ورفض اآلخر، وأن المؤسسات والمنظمات المعنية، وكذلك الدول مسؤولة

وعليها أن تبني استعدادات وقائية بمستوى األحداث الخطيرة التي ينتجها التطرف.

تمثل األسرة المحضن األول لألبناء، وهي بمثابة المدرسة األولى التي تزود األبناء أثناء فترات

نموهم بالثقافة االجتماعية التي تؤهلهم للنضج االجتماعي، والتربية الصحيحة هي الوسيلة

ـلى

ال ُمث إلحداث أكبر قدر ممكن من الوقاية من االنحراف الفكري والسلوكي، ْ

ومن هنا فإن ه يقع على عاتق األسرة أ ْن تقوي العالقة بين أفرادها، وتترفع بأبنائها عن الخالفات

والصراعات، وأ ْن تحقق الرعاية التربوية المتكاملة ألبنائها ويتحقق ذلك بالتعديل والتهذيب

المتدرج من خالل تنشئة األبناء على القيم ال ُخلُقية والفكرية القويمة البعيدة عن الغلو والتطرف.

قر ُن فتنة لقد جر ذلك على األمة منذ القرن األول حروبا وتفرقا داخلياً ال تشفى منها حتى ر

ي ذُ

وت ب ُر أخرى، ز

جماعة لتكرر نفس السلو ك المتطرف مستنجدةً بنفس المنهج المجانب للحكمة-أي

للصواب والصدق والحق.

نحن في زمن صعب نحتاج فيه الستعادة الفكر التنويري الذي يضع العرب في المكانة التي

يستحقونها فكراً وعمالً وحضارة لقد كان الجهل، وال يزال، آفة خطيرة تؤول بنا يوما بعد يوم

نحو المزيد من الهوان والضعف واليأس، والذي بدوره أصبح وقودا لكثير من األحداث والثورات

التي ال تبتغي سوى الفوضى والتدمير«.

وأن أحداث الربيع العربي، كشفت عن فجوة عميقة من الجهل والتجهيل الممنهج، الذي كان سببه

الرئيسي ضعف نظام التعليم وعقم البيئة العلمية المرتكزة على التنظير الخطي المجرد والذي يأخذ

الطابع التقليدي المتمسك بمدلوالت تاريخية بالية ال تخدم تطلعات مستقبل األجيال القادمة، وال

3

تساير ركب التطور الطبيعي للبشرية والقائم على فكر التنوع والتعددية والتسامح والتعايش

اإلنساني وأن التهميش والحرمان وضعف حكم القانون تعتبر من أهم عوامل اتجاه الشباب نحو

التطرف،

وبالذات التطرف الديني، فضالً عن أن اإلحباط واإلهمال ومحدودية الفرص االقتصادية وقلة

إمكانات المشاركة المدنية الهادفة من عوامل اعتناق اإليديولوجيات المتطرفة، وأن تركيز

السياسات التعليمية على التعليم النوعي بتخصصاته العلمية والفنية وتنمية المهارات الفردية هي

السياسة األجدى للدول النامية سواء كانت دوالً غنية أم فقيرة،

ألن ذلك يؤدي إلى تحسين األوضاع الفكرية والمعيشية للشباب، ويحد من تسلل القوى المتطرفة

من خالل مداخل الضعف الفكري والحاجة المادية والبطالة.

أن صياغة استراتيجية عربية للتنمية االقتصادية واالجتماعية في مواجهة التطرف ال بدّ أن تنطلق

من قاعدة معرفية صلبة، وخطاب فكري مجتمعي يستند إلى مفهوم الدولة المدنية أو دولة

المواطنة، في إطار رؤية ناظمة لإلقليم أن المعرفة والمعلومات هي قوة يشكل تطبيقها وانتشارها

تحديا لنا جميعا، لك ّن تنظيم هذه العملية يمكن أن يجعل منها أداة للتنمية التي تتطلب بدورها بسط

السالم واالستقرار.

المرأة قد ظلت تؤدي دورها تجاه أسرتها ومجتمعها وتسهم بجدارة في مجاالت التعليم والصحة

ومكافحة األمية ومناهضة الفقر ومجاالت التنمية القاعدية وترسيخ دعائم السالم وإيماناً للدور

الفاعل الذي تقوم به المرأة فقد أكدت الدولة على دفع حركة المرأة في الشأن العام وتعظيم دورها

في عملية التغيير وإحداث التنمية الشاملة والمتوازنة. كما أولت الدولة اهتماماً كبيراً بالمرأة

واالرتقاء بأوضاعها تقديراً للدور الرئيسي والهام كشريك أصيل في بناء المجتمع وصونه

والحفاظ على تقدمه وتماسك نسيجه االجتماعي

حيث تشكل المرأة رأس الرمح لقضايا السالم والحوار االجتماعي والتعايش السلمي فهي تمثل

مستودع القيم وحامية السالم وركيزة التنمية، وقد بذلت الكثير من الجهود على المستوى الرسمي

والطوعي وعلى المستوى المركزي والوالئي.

لهذا كان الهدف من الدراسة: هو تنشئة األبناء على الفكر اآلمن أو ما يسمى باألمن الفكري يبدأ

بالتفكير الناقد وإعمال العقل، ويمتد ليشمل التوسع في فرص التنمية وإتاحة فرص االندماج

المجتمعي بهدف القضاء على االنحراف الفكري وذرائع االستقطاب، مع إعالء قيمة العمل

والمشاركة المجتمعية، وتعزيز اجتماع الكلمة ووحدة الصف، والحفاظ على هوية المجتمع حتى

يصبح كالبنيان المرصوص،

وبهذا يتحقق األمن الفكري للمجتمع والتنشئة على الفكر اآلمن البعيد عن االنحراف عملية

مستمرة ال تقتصر فقط على مرحلة عمرية محددة وإن ما تمتد عبر عمر اإلنسان من الطفولة إلى

الشيخوخة ولهذا فهي عملية حساسة ال يمكن تجاوزها، وال يكاد يخلو أي نظام اجتماعي من هذه

العملية ولكنها تختلف من نظام إلى آخر في األسلوب ال الهدف،

ومن أبرز مؤسسات تنشئة أبناء المجتمع على الفكر اآلمن األسرة، والتي تعتبر البيئة

االجتماعية األولى التي ينشأ فيها الفرد وتُْبن ى فيها الشخصية باعتبارها المجال الحيوي األمثل

للتنشئة االجتماعية، والقاعدة األساسية في إشباع مختلف حاجات الفرد المادية والمعنوية.

المقدمة.

إ ن سالمة المجتمع وقوة بنيانه ومدى تقدمه وازدهاره مرتبط بسالمة أفراده، فالفرد داخل

المجتمع هو صانع المستقبل وهو المحور والمركز والهدف والغاية المنشودة، أما ما حول هذا

الفرد من إنجازات ليست أكثر من تقدير لمدى فعالية هذا الفرد، ولهذا فإ ن المجتمع الواعي هو

4

ْصب عينيه قبل اهتماماته باإلنجازات والمشاريع المادية اهتماماته بالفرد كأساس

الذي يضع نُ

الزدهاره وتقدمه.

وإذا كان للفرد دور رئيس في تحقيق األمن فإ ن دور األسرة في هذا المجال أعظم ألن ها هي

المؤسسة التي تحتضن الفرد منذ والدته وحتى مراحله العمرية الالحقة، وفي صالح الوالدين

صالح األبناء ألن هما يمثالن القدوة والموجه، وتقع عليها المسؤولية األولى في تعزيز مبادئ

اإليمان في نفوس األطفال منذ نعومة أظفارهم،

وتُ ْس بالقدر األكبر في رعاية األبناء، وتسعى إلى تحقيق األمن الفكري، والتربية الصحيحة هي هم

الوسيلة إلحداث أكبر قدر ممكن من الوقاية من االنحراف الفكري والسلوكي، ومن هنا فإن ه يقع

على عاتق األسرة أ ْن تقوي العالقة األسرية بين أفرادها، وأ ْن تحقق الرعاية التربوية المتكاملة

ويتحقق ذلك بالتهذيب وتنشئتهم على القيم الفكرية البعيدة عن التطرف. كما أن ه يجب على األسرة

أ ْن تحرص على اختيار رفقاء مأمونين ألبنائها، وتقع المسؤولية الكبرى عليها في إعداد األبناء

وتحصينهم ضد االنحراف الفكري، وذلك يرجع إلى أ ن خبرات الطفولة تترك بصمات في الشخصية

فيما بعد؛ وأ ْن تهتم بغرس القيم السلمية مع االعتدال في تنشئة أبنائها فال إفراط في القسوة وال

تفريط في المناقشة والحوار، والجلوس معهم ونصحهم لالبتعاد عن االنحراف الفكري المضل.

ويمكن القول ان مما ال شك فيه إن العمل الطوعي يمثل أحد الركائز الهامة في إحداث التنمية

الشاملة بأعبائها اإلنسانية واالجتماعية واالقتصادية وتُعدّ األسرة أحد النظم االجتماعية األساسية

وأقدمها منذ القدم، وهي موجودة في كل المجتمعات اإلنسانية في العالم وعبر التاريخ، فال يخلو

منها أي مجتمع، فهي نواته التي تعكس تصرفاته،

كما أن ها جماعة متماسكة تستجيب لألحداث بطريقة تختلف عن أية جماعة أخرى، ويستجيب

الفرد بدوره وفقًا لتنشئته األسرية، ذلك أل ن األسرة هي الوحدة البيولوجية والنفسية والمعرفية

واالجتماعية األولى التي ينشأ فيها الفرد، ويتفاعل مع أعضائها، وفيها تبرز أولى معالم شخصيته

في سنواته األولى المبكرة

إذا يواجه الوطن العربي االن أزمات إ ّن ال ُجذور المعرفية والفكرية للتّطرف واالنحراف األخالقي

للمصلحين والمربين

ّي

لسفي في الماضي والحاضر، وميدان تعامل ف عل

موضوع مجال ت ساؤل ف

قديماً وحديثاً. إنه مفهوم ال يزال محل أخذ ورد في تقارير األمم المتحدة ومنظمة اليونسكو، إال أنه

حرفياً يعني: ”تبني أفكار أو سلوك أو الدفاع عن أفكار أو سلوك يبتعد كثيراً عما يراه أكثر الناس

صوابا”.

والتطرف ليس مفهوما علمياً في الثقافة العربية اإلسالمية، بمعنى أنه لم يستعمل في وصف

األفكار واآلراء والممارسات والسلوك، بل استعمل مقابله، وهو الوسط، لوصف حالة االعتدال

الفكري والسلوكي واالتزان. واستعمل كذلك نظيره، وهو: الغلو الذي يعني الخروج عن االعتدال،

والتجاوز عن المعهود والمطلوب في األقوال واألفعال.

لذلك فان إشكالية الدراسة:

حيث تبيّن أن الظاهرة باتت في تزايد مستمر وخطورة متنامية وانتشار واسع.

يطرح »اإلرهاب الدولي«، تحديات وإشكاالت كبرى أمام المجتمع الدولي بر ّمته، بالنظر للتداعيات

األمنية والسياسية واالقتصادية التي يفرزها، فالعمليات التي طالت عدداً من البلدان، على امتداد

مناطق مختلفة من العالم خالل العقود الثالثة األخيرة، أكدت أن مخاطر الظاهرة يمكن أن تتجاوز

أحياناً مخاطر الحروب النظامية، بالنظر لجسامتها وفجائيتها واستهدافها لمنشآت استراتيجية

ومصالح حيوية ولخسائرها البشرية الفادحة.

وغالباً ما تشكل األزمات بؤراً لتدهور األوضاع االجتماعية واالقتصادية، وانتعاش التطرف وتمدّد

اإلرهاب، وهي )األزمات( تضع الطرف الذي يواجهها أمام هدفين أو مطلبين رئيسيين، األول هو

5

حماية المصالح واألوضاع القائمة بأقل تكلفة مادية وبشرية، والثاني هو العمل قدر المستطاع

على تجنب الدخول في غمار مبادرات ومواقف مرتجلة يمكن أن تؤدي إلى خروج األمور عن

نطاق السيطرة.

وعلى الرغم من التداعيات الخطيرة التي يخلّفها اإلرهاب على مختلف المجاالت اإلنسانية والبيئية

والمعمارية. فإنها تشكل -مع ذلك-مح ّطة للتأمل واستخالص الدروس والعبر من التجارب القاسية؛

واعتماد تدابير أكثر نجاعة وفعالية لمواجهة المخاطر المحتملة. تشير الكثير من الدراسات

والدراسات األكاديمية، إلى أهمية السبل الوقائية في التعاطي مع األزمات على اختالفها،

وهي سبل أكدها ميثاق األمم المتحدة في سياق المهام التي تحظى بها هذه األخيرة، على مستوى

المحافظة على السلم واألمن الدوليين، حيث تم التنصيص في الميثاق على مجموعة من المبادئ

التي يقوم عليها تحقيق هذا الهدف.

إن كلفة اإلرهاب باهظة بالنسبة للدول والمجتمعات، بما يجعله من بين أهم العوامل المعرقلة

للتنمية من حيث تكريس الفقر والبطالة والعجز االقتصادي ومختلف المعضالت األخرى. ويحيل

مصطلح التنمية إلى مجمل التحوالت التي تطول المجتمع في مختلف المجاالت االجتماعية،

والسياسية؛ واالقتصادية؛ والمعرفية؛ والتقنية، بالصورة التي توفر الشروط الالزمة لحياة أفضل؛

وبما يحقق التّطور وال ّرفاه لألفراد. من خالل استثمار وتجنيد اإلمكانات المتاحة بشكل جيد، تلبية

للحاجات المطروحة في الحاضر والمستقبل.

فإن ما تقدّم يدخل ضمن مقاصد الشريعة دون شك، فغاية الشريعة الحفاظ على الكليات الخمس:

الدين، النفس، العرض، المال، العقل.

والحفاظ ال يتحقق لألفراد بمعزل عن المجتمع، وإنما من خالل استغالل موارد الوطن، وتنميتها،

وحسن إدارتها، وهو ما يتقابل مع مفاهيم التنمية الحديثة، وحسن إدارة المجتمعات، وما يعرف

باسم التنمية المستدامة، وهو يحتاج إلى دراسة من المنظور الشرعي، للنظر في عالقة التنمية

بالمقاصد الشرعية عامة، والفروض الكفائية والعينية خاصة، وبعبارة أخرى: إعادة تأصيل

مفهوم التنمية عامة والتنمية المستدامة خاصة في مواجهة االفكار المتطرفة والمنحرفة

وتأتي أهمية دراسة إن التطرف، سواء كان فكرياً أو سلوكياً، مفهوم يختلف باختالف الزمان

والمكان واإلنسان، الن التطرف خروج على النظام العام فكرياً وسلوكياً، يحمل إمكانية التحريض

على العنف أو اإلخالل باألمن.

فالتطرف مذموم في الفقه اإلسالمي، وكان من مآسيه في التاريخ حركات الخوارج والباطنية،

وفي الزمن الحاضر حركات التكفير والعنف والشغب والقلق السياسي واالجتماعي. أما الشريعة،

فإنها تزكي الوسطية المنافية للتطرف والغلو.

مشكلة الدراسة أ ن األمن بمفهومه الشامل وجوانبه المتعددة أصبح من ضروريات الحياة، وهو

هدف سا م لكل مجتمع ودولة إذ هو سبب سعادتها واستقرارها، وأساس تقدمها، وعنوان رقي

حضارتها، إال أ ن من أهم أنواعه وأعظمها تأثي ًرا في حياة األمة هو األمن الفكري،

وهو لب األمن وقاعدته الكبرى، ال غنى ألي فرد أو مجتمع عنه، وال يتحقق األمن الشامل

المحسوس بدون تحقيق األمن الفكري إذ هو ثمرة تمسك األمة بعقيدتها، ومحافظتها على مصادر

و ُمث العليا. ُ تشريعها وأخالقها السامية ـلها

يعيش المجتمع اليوم في عالم تتدفق فيه المعلومات والمعارف واألفكار بشكل لم يشهده تاريخ

البشرية من قبل، وذلك عن طريق وسائل اإلعالم وما صاحبها من وسائل االتصال الحديثة،

وانتشار شبكة المعلومات الدولية التي جعلت العالم رغم كبر مساحته يتقلص إلى ما يشبه القرية

الصغيرة

6

من أ ن الفكرة والكلمة والمقالة والصورة تصل إلى من يُراد له النفع أو الضر، أو يُ ْر جى له الخير

أو الشر، وبات التهديد يطال المجتمعات كلها أفرادًا وجماعات، ويقتحم المؤسسات التعليمية

والتربوية تحت شعارات التعاون العلمي، والتبادل الثقافي وما أفرزه نظام العولمة.

ان تناول مسألة االنحراف الفكري سببًا النتشار الفتن وفقدان األمن، كما أن ه يؤثر في إفساد القيم

االجتماعية والعالقات األسرية، والتي توصلت إلى أ ن االنحراف األسري يُ ْض عف الروابط على

مستوى األسرة والمجتمع فتظهر النزاعات والتوترات والصراعات،

ويؤثر تأثي ًرا شديدًا في اقتصاد وتنمية المجتمع بما يحدثه من إتالف لألموال واألنفس، وانتشار

البطالة، ويؤدي في النهاية إلى نتيجة خطيرة وهي اصطياد صغار السن ومحاولة االستيالء على

عقولهم، وترسيخ األفكار المنحرفة فيها

كما أ ن الحديث عن دور األسرة في تنشئة أبنائها على الفكر اآلمن من االنحراف، ودفع خطر

الفكر المنحرف عن المجتمع يأتي اليوم في غاية األهمية، لما تتعرض له األسرة من مغريات كثير

حيث توصلت إلى أ ن األسرة المسلمة التي تتمسك بتعاليم الشرع تبقى صامدة ومحفوظة بحفظ

الدين، وهي تعلم أبناءها عقيدة اإلسالم في مواجهة كل األخطار والتي يأتي في مقدمتها الفكر

المنحرف والغلو والتطرف.

وتتمحور مشكلة الدراسة: إن المشكلة التي نعانيها في هذا الجهد ترجع إلى صعوبات مادية

وفكرية ومنهجية لتقديم البديل وترسيخ المنهج األصيل.

ويمكن صياغة تساؤالت البحث في التالي:

أوالً: ظاهرة استثمار إمكانات التكنولوجيا في نقل الجرائم بالصوت والصورة، وتسهيل التواصل

بين المجرمين وإعطائهم وسائل ارتكاب الجريمة،

ثانياً: الدعاية الممنهجة للجماعات المتطرفة، سواء كانت العصابة الغالية اإلرهابية التي تُق دّم

حججها الزائفة لتبرير القتل واالعتداء أو المجموعة المنحرفة العدمية التي ت ع رض ممارساتها

إلغراء الشباب.

ثالثاً: عدم وجود جهود تربوية اب ة

جذ في الشكل، مقنع ة في المحتوى، متماسك ة في المنهج، تسد ّ

الثغرات، وتعالج مكامن الداء -وتضع ال هناء موضع النقب.

رابعا: -الجذور المعرفية والفكرية للتطرف واالنحراف األخالقي

أهمية البحث: أ ن االهتمام بتنشئة األبناء على الفكر اآلمن البعيد عن االنحراف، من أعظم الغايات

 الحظ في

التربوية التي تسعى كافة مؤسسات المجتمع إلى تحقيقها وخاصة األسرة، ولكن ما يُ

الواقع يخالف ذلك! فتربية األبناء على الفكر الصحيح لم ي عُ ْد يحتل منزلة كبيرة في حياة الكثير من

األسر، وامتأل المجتمع والعالم بالفكر المنحرف،

 ل ونه ب وتكفي ر

وظهرت التيارات الفكرية المنحرفة، والحياة تتعرض لمشكالت جسام من: قت

وتفجي ر بفعل اإلنسان، والسبب الرئيس في ذلك غياب دور األسرة في تنشئة أبنائها على الفكر

الصحيح.

أ ن األجيال الحالية تمر بتغييرات كبيرة في تصرفات األبناء بمختلف األعمار وفي سائر البيئات،

وذلك لتنوع الوسائل التي تستمد منها المعلومات ومصادر التلقي، فلم تعد هذه الوسائل محدودة

مثلما كانت في الماضي، لذا أصبحت المسؤولية الملقاة على عاتق األسرة أكبر م ما كانت في

األجيال السابقة.

 م يمكن القول أ ن المشكلة تربوية في المقام األول، ومن هذا المنطلق تتمثل مشكلة البحث

ومن ث

الحالي في غياب دور األسرة التربوي في تنشئة األبناء على الفكر الصحيح اآلمن من االنحراف

7

أ ن األسرة في أي مجتمع من المجتمعات تعتبر الوسيط األول، والهام الذي يقوم بتربية وتعليم

وتثقيف الطفل، وتعتبر الميدان األول الذي يواجه فيه الطفـل مختلف التأثيرات الثقافية في

المجتمعات، ولذلك يجب أ ْن تتسم عالقة األسرة واألبناء بالمرونة، والتسامح، والمحبة.

ومن ثم فأن أهمية الدراسة الراهنة تكمن في انها تسلط الضوء على موضوع يعد من اهم

المواضيع التي تغيب عن الباحثين في األقطار العربية

ومن ثم فأن الدراسة الراهنة تعني وجود ق ي م وتصورات، تفرز ضوابط سلوكيّة، من شأنها أن

تشيع األمن في النفوس، وتجافي الجنوح إلى العنف. ولنغرس ثقافة التسامح في النفوس، يجب

اتخاذ السبل بكل الوسائل التثقيفية، وفي مقدمتها التعليم والتربية، واإلعالم الجماهيري، إليجاد

تلك القيم، والتصورات،

لضبط وكبح جماح النفوس الميالة إلى العنف، وترجيح كفة التسامح، وحسن تقبل الغير،

وباختصار إيجاد الروح االجتماعية، والتعايش البناء بين أفراد المجتمع.

لذلك لقد أصبحت الحاجة ملحة للفكر اآلمن الصحيح، حيث أصبح حاجة أساسية ينشدها المجتمع

بأجهزته ومؤسساته المختلفة، وهو غاية تعمل لتحقيقها مؤسسات المجتمع النظامية وغير

النظامية،

فالكل يتطلع إلى المجتمع اآلمن من اآلفات التي تهدد بنيانه بالتصدع كالفقر والمخدرات

واالنحراف الفكري، والتي أكدت على أن ه في ظل األمن الفكري يزدهر التعليم وتتسع مجاالته،

وينمو االقتصاد نم ًوا شام ًال، ويطمئن الناس على دينهم وأنفسهم،

أ ن األمن الفكري ال يأتي من خارج المجتمع بل يتحقق على أيدي أبنائه وبجهودهم، وهو

مسؤولية الجميع. وال شك أ ن األسرة من أهم المؤسسات التي تقوم بهذه المهمة.

تأتي أهمية البحث في تحقيق األهداف التالية:

مفهوم التسامح باعتباره احتراماً وقبوالً وتقديراً للثروة والتنوع لثقافات عالمنا هذا. دور الدولة،

فعلى مستوى الدولة تلزم العدالة والنزاهة في سن النظم والقوانين األبعاد االجتماعيّة، ذّكر

بضرورة التّسامح في العالم المعاصر؛ حيث نعيش في عصر تميّز بعولمة في االقتصاد، وبسرعة

ـزوح والتّنقل للمجموعات على نطاق

في الحركة واالتصاالت، وباالندماج واالعتماد المتبادل، وبالنّ

واسع، والتمدّن والتغيّر في أشكال النّظم االجتماعية، فلم يبق جزء من العالم غير متأثر بالتّنوع.

فتصاعدُ التعصب والمواجهة يشكل تهديداً محتمالً لكل منطقة، فالتسامح ضرورة لألفراد وفي

نطاق األسرة والجماعة.

فتنمية التسامح والتدرب والتمرن على االنفتاح الذهني وحسن االستماع واإلنصات المتبادل

والتضامن يجب أن تسود كل هذه المعاني في المدارس والجامعات ووسائل التربية. يجب تكوين

مجموعات للدراسة والبحث والتنسيق لتقديم إجابة للمجموعة الدولية على هذا التحدي العالمي

)عدم التسامح(.

توجد عالقة وطيدة بين الهوية الثقافية والتنوع الثقافي حيث أن الهوية ال يمكن أن تكمل اال

بوجود الثقافة وتتميز الهوية الثقافية بأنها تمتلك القدرة على فهم التنوع الثقافي لجميع الشعوب،

كما انها تقوم على جمع كل األفراد في المجتمع من أجل أن تبلور هوية ثقافية تجمعهم.

لقد أقر المجتمع الدولي بالدور األساسي للثقافة بوصفها من عوامل التغيير والتنمية وال يغيب عن

بالنا ما يواجهه التنوع الثقافي من تهديد بسبب استهداف أصحاب الفكر المتطرف لألقليات الثقافية

في كل انحاء العالم وتدمير التراث المشترك من أجل اضعاف األواصر بين الشعوب وتاريخها.

فرضيات الدراسة: تنطلق الدراسة الراهنة من فرضية رئيسية هي: تنمية وعي المواطن، كإنسان

مسؤول، للمشاركة في الشأن العام.

8

وفرضية فرعية

اعتبار مستوى التعليم ومستوى الصحة ومستوى الوعي البيئي ومستوى المشاركة معايير

أساسية في درجات التنمية المستدامة.

منهجية البحث: يعتمد البحث الحالي على المنهج “الوصفي”؛ لمالئمته ألهداف البحث وطبيعته،

ولكونه من المناهج البحثية التي تختص بعملية البحث والتقصي حول الظواهر المجتمعية

والتربوية كما هي قائمة في الواقع، ثم وصفها وتشخيصها، وتحليلها، وتفسيرها بهدف اكتشاف

العالقات بينها.

من األهمية بمكان: ان تستند البحوث والدراسات الي القواعد النظرية العملية التي تساعد الباحث

علي توجيه بحثه الي األسباب التوضيحية والعوامل المفسرة ل )موضوع البحث( كما هي في

دراستنا الراهنة

الفصل األول: التفاوت الطبقي واالجتماعي

يعد التفاوت الطبقي واالجتماعي وحاالت الفقر والفساد المالي واإلداري وانخفاض دخول اإلفراد

والكساد والبطالة والتوزيع غير العادل للثروات والرواتب واالمتيازات وفقدان العدالة في التنمية

االقتصادية وتتفاوت درجات المشاريع العمرانية والخدمية الجاذبة للسكان من مكان إلى اخر تعد

بلغة الباحثين من المحفزات الدافعة نحو اإلرهاب إضافة على كم اإلجرام ونوعية الجرائم المرتكبة

إذ يعد اإلرهابي توفر تلك العوامل والشعور بالظلم نتيجة ذلك عوامل تدفع باتجاه اإلرهاب

ومما يؤيد المتقدم اتجاه البعض بربط الجريمة اإلرهابية بالنظام االقتصادي السائد ومثاله النظام

الرأسمالي بحيث يعد هذا النظام وتضافره بالظلم االجتماعي وعدم المساواة بين اإلفراد والصراع

بين الطبقات البرجوازية وطبقة العمال مع توافر تلك الظروف أرضية خصبة مناسبة لوقوع

الجريمة بنظر أصحاب المذهب االشتراكي في تعبير الجريمة أنها األهم في األسباب الدافعة نحو

اإلجرام

ويقدمون الدليل على نظريتهم هذه باختفاء الجريمة في المجتمع االشتراكي في حين يغاير هذا

االتجاه لدى كثير من شعوب دول العالم كونها الضحية لتلك الدول الكبرى من خالل استغاللها

اجتماعيا ً واقتصادياً وسياسياً وربطها بقيود المديونية وهذا أدى إلى تفجر الطاقة العدوانية

وغريزة الحقد والكراهية لشعوب تلك الدول

فضال عن فقدان العالم الذي يمتع فيه اإلنسان بازدهار اقتصادي واجتماعي حتى لو كان نسبياً

نوعاً أدى إلى تأجيج الصراعات بأوجهه المختلفة وولد نوعاً من الهوة والفراغ والبعد بين شعوب

العالم وفقدان التوازن العالمي وارتفاع واوجد عالمين عالم اقتصادي تتمتع برفاه وتقدم وارتفاع

مستويات الدخل والتقدم الصناعي والعلمي وعالم أخر يعيش رحمة المساعدات من تلك الدول

ويعاني الفقر والحرمان وسياط الجوع والمديونية مما ولد شعوراً لدى شعوب هذه الدول أنها

الضحية لهذا االستغالل

وقاد التوسع في تعدد تلك الظروف االقتصادية المساعدة على اإلرهاب فيربط اإلرهاب بتوفر بعض

هذه الظروف المؤثرة في سلوكية اإلفراد وتفكيرهم ومن بينها حالة الفقر والجهل مثالً فيكون

الربط بين بعض هذه الظروف والظواهر االقتصادية ويعللون األسباب بأنه ال يمكن إن تتجمع تلك

الظروف دفعة واحدة وال مبرر لربط اإلرهاب عند مذهب اقتصادي معين،،ونرى إن هذه العوامل

وان تعددت فال يمكن إن تكون سبباً وحيداً إنما قد تتجمع مع أسباب وعوامل أخرى دافعة نحو

اإلرهاب وقد تختصر في عامل واحد تكفي بتوجيه اإلرهابي توافر عوامل الجهل والتطرف

واالغتراب

وفقدان الهوية الوطنية وضبابية األهداف لدى كثير من إفراد المجتمع إضافة الى الحرمان

االجتماعي داخل مجتمع بدرجة أو أخرى من أسباب اجتماعية أسرية مجتمعية وأسباب اجتماعية

9

عامة أخرى وعرقية أو لمصالح دينية أو قومية أو مذهبية واضطهاد لفئة وأقلية معينة دفعت

علماء الجريمة ومنظري السياسة والقوانين الجنائية إلى عدها من العوامل المهمة الدافعة نحو

اإلرهاب باعتبارها من اإلمراض التي تفقد الجسد االجتماعي األسري الوطني المناعة

مما يؤدي إلى توفر األرضية القابلة لالختراق التي تدفع بعض فئات المجتمع إلى سلوك اإلرهاب

والعنف كوسيلة للتعبير عن تلك المظلومية بنظرهم والنفور من منظومة القيم االجتماعية الحاكمة

للبيئة ومحاربة من يتمسك بها

وتعد األسرة هنا النواة األولى التي يقوم عليها المجتمع وحياته االجتماعية فإذا كان األساس فيها

قوياً متماسكاً ساهمنا في نشوء موانع ضد اإلرهاب إما تزاحم الواجبات وصعوبة الحياة

والتحوالت االجتماعية واالقتصادية واألسرية وعمليات الجهل المجتمعي الديني والثقافي الواعي

لطبيعة المجتمعات تعد بيئة صالحة لإلرهاب

ومن األمثلة هنا االبتعاث القومي الذي شهده العالم بعد انهيار االتحاد السوفيتي السابق الذي أدى

إلى تحرك القوميات ال للمطالبة بحقوقهم اإلنسانية في حق تقرير المصير حيث تحرك التتار في

جمهوريات البلطيق واستونيا وجورجيا وأذربيجان والقفقاس مطالبين بكامل حقوقهم القومية إلى

إن حصلوا عليها بالفعل بينما ولد وجذب عامل االنبعاث القومي والديني لدى الشيشان أالف

االرهابين لمقاتلة الروس لرفض األخيرة منحهم االستقالل الذاتي

وما نتج عن تلك المطالبات من عمليات إرهابية أذهبت حقوق أالف البشر في حين رفض االتحاد

األوربي بحث الطلب التركي االنضمام إلى المجموعة األوربية في الوقت الحاضر إال إن تغير

الحكومة التركية من سياستها الخاطئة تجاه القومية الكردية وخاصة بعد موجات القتل المتبادل

بين المتمردين والجيش وممارسة تركيا سياسية التتريك العنصرية

وهذا يعد من المشاكل الحادة والشائكة في المجتمع واألقلية )سكان الدولة الذين ينتمون إلى أصل

قومي مختلف عن األصل القومي الذي ينحدر من غالبية هؤالء السكان(

تردي الواقع االجتماعي والوضع االقتصادي على المستوى الدولي للدول من األسباب المباشرة

التي تؤثر بشكل مباشر في عمليات حفظ األمن واالستقرار الدولي وتشجع من جهة أخرى اتجاه

بعض الدول والجماعات نحو اإلرهاب

حيث يالحظ إن معظم الجماعات المنخرطة أو التي تمارس اإلرهاب تأتي من الدول والجماعات

الفقيرة نتيجة لسوء اقتصادها إضافة إلى إن اقتصاديات بعض الدول قائمة على أساس األنشطة

اإلجرامية حيث تكون بيئة حاضنة ومشجعة لإلرهاب وذلك من اجل حصولها على دور أكبر على

المستوى الدولي وقد تعمد بعض الدول إلى ممارسة الحرب االقتصادية ضد الدول األخرى من اجل

تعطيل صناعاتها أو تدمير منشأتها الصناعية والتجارية الستخدامها كوسائل ضغط على تلك الدول

المتضررة

من تدمير شامل للبنى التحتية والصناعية مما يعد إرهابا دولياً مقصوداً لتحقيق وسائل ضغط أو

أكراه على الشعب العربي ساعد في إنعاش بيئة اإلرهاب حتى أصبح العربي من الدول المصدرة

والجاذبة لإلرهاب

وبالتالي فأن انهيار الجانب االقتصادي يشكل تأثير مباشراً على الوضع االجتماعي لهذه الدول

االقتصادية واالجتماعية فشعور اإلفراد بالواقع االجتماعي واالقتصادي المتردي مهم يدفع بالعمل

بقوة من أجل التخلص من هذا الواقع حتى في ممارسة األنشطة اإلرهابية اعتقاداً منهم إن

طريقهم هذا يسهم في تقويم الواقع االجتماعي واالقتصادي المتردي،

ونرى ان اختالف التفسيرات بشأن األسباب والدوافع التي أدت إلى تنامي ظاهرة اإلرهاب بين من

يؤكد أهمية شخصنه تلك العوامل في الظروف الداخلية الذاتية لشخصية اإلرهابي)السلبية( العوق

10

وانفصام الشخصية والتخلف العلمي واإليجابية منها درجة التعليم والثروة المالية والسلطة والتي

تستغل سلبيا(

وتأثير الظروف البيئة واالجتماعية والسياسية المحيطة في نشؤ اإلرهاب واإلرهابي وفريق أخر

يقدم الظروف واألزمات الدولية في التنافس والصراع الدولي واحتالل الدول ومديونية بعض

الدول باعتبارها ساعدت في تغذية ونمو ظاهرة اإلرهاب،

وبين من يدعي إن اإلرهاب ظاهرة طبيعية يمكن إن تظهر في أي مجتمع مرتبطة بعوامل مختلفة

منها البيئة السياسية واالقتصادية واالجتماعية والدينية واإليديولوجية متفاوتة ومع ذلك يبقى

األمر المهم المطلوب والضروري

انه ال يمكن القضاء على الظاهرة إذا لم تعالج أسبابها فالمشكلة الرئيسية التي تواجه تحديد

أسباب الظاهرة هي اختالف وجهات النظر في تحليل الظاهرة نفسها ومرد هذه االختالفات يعود

إلى تباين التفسيرات للمشكالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية التي تنشأ عنها.

التنمية االقتصادية. ضرورة توجه األسرة الدولية بأعضائها ومجموعة المنظمات الدولية

المتخصصة في مجالي االقتصاد وحقوق اإلنسان بالتعاون إليجاد نظام عالمي ي يوفر ويحترم حق

ا إلنسان في التنمية االقتصادية واالجتماعية ومعالجة المشكالت التي تخرج عن قدرة االفراد

الذين يعانون منها واستجالب انسب األوضاع الفعالة في المجتمع هادفين لتحقيق التنمية البشرية

المستدامة

والتي تركن إلى النمو االقتصادي كوسيلة لتحسين حياة الناس بمفردها االستمتاع والرضا بما

يحمي المجتمع من الجريمة والعنف واإلرهاب والتطرف وتحقيق شمولية المعرفة والحريات

والحقوق السياسية واالقتصادية والثقافية والمشاركة السياسية لإلنسان

الفصل الثاني: مفهوم أمن اإلنسان في ضوء التنمية المستدامة

تنطوي الحياة العالمية المعاصرة على أكثر من داللة حقوقية وسياسية واجتماعية تشكل، في وجه

من وجوهها، فلسفة قوامها أمن اإلنسان الذي يتعين تحريره من الظلم واالستبداد والخوف،

وهدفها ضمان الحرية والمساواة والتضامن والتنمية المستدامة، وأداتها إرساء دولة الحق

والقانون.

وقد برز مفهوم أمن اإلنسان في السنوات األخيرة باعتباره جوهر مفهوم األمن الوطني الذي

يهتم بأمن الدول.

التنمية المستدامة

مر مفهوم التنمية بأربع مراحل: في أوالها، جرى التركيز على النمو االقتصادي. وفي ثانيتها،

على التنمية البشرية. وفي ثالثتها، على التنمية البشرية المستدامة. وفي رابعتها، على التنمية

اإلنسانية بمعناها الشامل.

ولعل مقولة التنمية أمست اليوم محوراً مشتركاً لمعظم العلوم اإلنسانية وتطبيقاتها، وقد ع ّرف

إعـالن “ الحق في التنمية “ الذي أقرته األمم المتحدة في العام 1986 عملية التنمية بأنهـا “

عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تهدف إلى تحقيق التحسن

المتواصل لرفاهية كل السكان وكل األفراد،

والتي يمكن عن طريقها إعمال حقوق اإلنسان وحرياته األساسية ”. وحتى ال تظلم األجيال

القادمة، بسبب استنزاف األجيال الحاضرة لجميع الموارد، ظهر ما يعرف بـ “ التنمية المستدامة

“ والتي جاء تعريفها في مؤتمر األمم المتحدة عام 1987 بأنها “ التنمية التي تلبي احتياجات

الجيل الحالي دون اإلضرار بقدرة األجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة

11

إ ّن التنمية المستدامة تهدف إلى التوافق والتكامل بين البيئة والتنمية من خالل ثالثة أنظمة هي:

نظام حيوي للموارد، ونظام اقتصادي، ونظام اجتماعي.

ويعني النظام األول القدرة على التكيّف مع المتغيّرات اإلنتاجية البيولوجية للموارد لعملية

التخليق واإلنتاج، لتكوين الموارد االقتصادية بطريقة منظمة وليس جائرة االستخدام. أما النظام

االجتماعي فيعني توفير العدالة االجتماعية لجميع فئات المجتمع.

وأخيراً النظام االقتصادي، وهو يعني القدرة على تحقيق معادلة التوازن بين االستهالك واإلنتاج

لتحقيق التنمية المنشودة التي تهدف إلى: التحسن المستمر في نوعية الحياة، والقضاء على

الفقر المدقع داخل المجتمع، والمشاركة العادلة في تحقيق مكاسب للجميع، وتحسين إنتاجية

الفقراء، وتبنّي أنماط إنتاجية واستهالكية مستحدثة، واالنضباط في األساليب والسلوكيات

الحياتية للمجتمع.

أهم التحديات التي تواجه التنمية العربية

بعد حرب الخليج الثانية في العام 1991 وتداعياتها دخلت المنطقة العربية مرحلة جديدة،

توضحت فيها مشاكل أساسية تعترض عملية التنمية المستدامة: أزمة المياه والغذاء والبطالة،

وعدم تنفيذ المشاريع التنموية، واألزمات السياسية المستمرة، وارتفاع النمو الديمغرافي، وتدنّي

مستوى الخدمات، وتزايد المديونية الخارجية، وانهيار أسعار بعض المواد األولية. واليوم يوجد،

في كل بلد عربي، ثقوب سوداء تبتلع جهود الشعب وعافيته، وتقّوض وظائف الدولة، على ما

بين الشعب والدولة من تباين في الدور والموقع،

ومن أهمها ثالثة: أولها، الفساد الذي ال يلتهم فقط عوائد التنمية، وال ينتزع اللقمة من أفواه

معظم المواطنين، بل يقّوض كذلك ما قد يبذل من جهود للخروج من التأخر، ويُغرق العرب في

تأخر يتفاقم دون هوادة، فيجدون أنفسهم في وضع من يركض إلى الخلف ووجهه إلى األمام.

وثانيها، السلطة الفردية،

وسيلة إال ولجأت إليها كي تضعف المجتمع وتصادر حقوق المواطن، بدل أن تقّوي ً التي لم تترك

نفسها بتقويته، وتو ّسع مكانتها عبر صيانة وتوسيع حقوقه. وثالثها، العدالة والمساواة، مع أ ّن

تبنّيها غدا حتمياً، وإال استحال إنقاذ دولنا ونظمنا، التي لطالما تجاهلت العدالة والمساواة وأقامت

أوضاعاً مناق

ً

ضة لهما، شبه مستحيل.

األمن اإلنساني

ظهر مفهوم األمن اإلنساني كجزء من مصطلحات األنموذج الكلي للتنمية الذي تبلور في إطار

األمم المتحدة، وقد برز المفهوم من خالل تقرير التنمية البشرية لعام 1994 ،إذ كانت نقطة

البداية إلطالق المفهوم، ومن ثم ورد بقوة في تقرير التنمية اإلنسانية لهذا العام 2009 ،لما له

من عالقة وثيقة في تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق األمن الحياتي للناس.

لقد أصبح مفهوم األمن اإلنساني الشغل الشاغل للدول الحديثة، حيث ير ّكز على الظروف الداخلية

التي يجب توافرها لضمان األمن الشخصي لألفراد.

ولم تعد هنالك إشكالية بين مفهوم حقوق اإلنسان ومفهوم األمن اإلنساني، الذي يتجاوز التركيز

على وضع مجموعة من القواعد القانونية الكفيلة بالتعامل مع مصادر تهديد األمن اإلنساني إلى

التركيز على سبل تنفيذ االلتزامات المنصوص عليها في الشرعة العالمية لحقوق اإلنسان.

كما أ ّن الحديث عن األمن اإلنساني يقتضي التعّرف على أهم تحديات األمن الجماعي، وإبراز

الترابط بين التهديدات المعاصرة التي يتعرض لها نظام األمن الجماعي مثل اإلرهاب والحروب

األهلية وبين الفقر والتنمية. وفي هذا السياق تبنّت األمم المتحدة إعالن األلفية الثالثة بشأن

التنمية في سبتمبر 2000،

12

وتضمن ثمانية أهداف أساسية تصبو إليها البشرية، من أجل عيش أفضل، تحققها الدول خالل

الفترة الممتدة بين 1990 – 2015 ،وتتمثل في: القضاء على الفقر المدقع والجوع، وتحقيق

تعميم التعليم االبتدائي، وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وخفض معدالت وفيات

األطفال دون الخامسة، وتحسين صحة األمهات، ومكافحة مرض نقص المناعة “ اإليدز “

والمالريا وغيرهما من األمراض، وضمان االستدامة البيئية وتطوير شراكة دولية من أجل

التنمية.

إ ّن البعد الشامل والتكاملي والمستديم في التنمية يحيل إلى حلقات مترابطة في معاني المفهوم

الجديد لألمن اإلنساني وشروطه:

إ ّن مفهوم األمن اإلنساني شامل جامع لمناحي حياة المواطن المختلفة: فاألمن الوطني هو حالة

الثقة والطمأنينة نحو حماية الكيان الذاتي للدولة والعمل في بيئة مستقرة وآمنة من أي عمل

عدواني، حيث القوة الوطنية ال تعني في هذا السياق القوة العسكرية فقط، بل هي محصلة لقدرات

الدولة االجتماعية واالقتصادية والسياسية والعسكرية.

أما األمن الذي يتعلق بصحة المواطن وغذائه ودوائه وبيئته واقتصاده، ويهتم بحركة تمكين

المرأة في المجاالت المختلفة، فقد أصبح غاية بحد ذاتها من أجل استقرار المواطن نفسياً وجسمياً

وأخالقياً وقانونياً لتحسين أدائه العام، وبناء مجتمع سليم يرتقي بالذوق العام.

ويختلف مفهوم األمن اإلنساني عن مفهوم التنمية كونه أشمل منها، بما يتجاوز المنظور التنموي

الذي يركز على قضايا الحاجة أكثر من قضايا الخوف.

أما باراديغم األمن اإلنساني فهو صياغة ذكية لمفهوم األمن بإعادته لموضوعه أي أمن اإلنسان،

وهو يشكل تحدياً الحتكار األقلية لألمن في المعنى وفي الممارسة، مما يجعله ذا صبغة سياسية

واضحة، ومن هذا المنظور فإنه يرتبط بشكل ومحتوى السلطة السياسية، بما يعطيه شرعية الربط

بالمسألة الديمقراطية دون إغفال كل القضايا األخرى المتعلقة بحاجات اإلنسان المتنوعة.

وعندما يُعتمد مفهوم األمن اإلنساني، لقراءة المنطقة العربية، فإنه ينفتح على مقاربة رابطة

لقضاياها المتنوعة: من موضوع االحتالل والحروب والنزاعات، إلى الماء والبيئة والطاقة

والتنمية واالنتقال الديمقراطي.

أمن اإلنسان في البلدان العربية

تلعب تقارير المنظمات الدولية، التي يتم إصدارها بشكل دوري، دوراً هاماً في مراقبة عمل

الحكومات وأدائها في المجاالت التي تدخل ضمن اختصاص تلك المنظمات. فقد أصبحت تلك

التقارير، بما تكشفه من تقدم أو تراجع في سلم التنمية البشرية، باالعتماد على مؤشرات

اجتماعية واقتصادية، تثير مسؤولية الحكومات في المجاالت ذات الصلة باألوضاع االقتصادية

واالجتماعية لعموم المواطنين.

وفي الواقع، خالل العقود الثالثة الماضية حققت الدول العربية إنجازات هامة في مجاالت اإلنماء

واالقتصاد والتطور االجتماعي، لك ّن المجتمعات العربية ما زالت تواجه مشكالت عميقة تهدد

حاضر العرب ومستقبل أجيالهم القادمة. فمعدالت األمية والفقر وتدنّي مستويات التعليم والبحث

العلمي والتطور التقني في تزايد مقلق جداً، وعلى امتداد العالم العربي.

كما أ ّن هياكل اإلدارات، خاصة الرسمية منها، شبه مترهلة تحتاج إلى إصالحات عميقة وسريعة

لتطوير مستوى الخدمات، التي تطال جميع المواطنين في مختلف جوانب حياتهم اليومية. يضاف

إلى ذلك أ ّن قضايا الحريات الشخصية والعامة، والخدمات االجتماعية، وتوزيع الثروة، والعدالة

في توزيع الضرائب وحسن جبايتها، واإلنماء المتوازن، والمشاركة الديموقراطية، والتخفيف من

حدة االنقسامات الطبقية والعرقية والقبلية والطائفية والجهوية وغيرها، تثير قلقاً شديداً في العالم

العربي.

13

ولعل أبرز ما يستوقف في التقرير األول للتنمية اإلنسانية في العالم العربي لعام 2002 ،إشارته

إلى أ ّن الفرد العربي سجل في السنوات العشرين الماضية أدنى نسبة نمو في مستوى الدخل في

العالم ال يدانيه سوى سكان الصحراء األفريقية، وأنه يحتاج إلى 140 سنة لمضاعفة دخله.

كما ذكر أ ّن التحديات التي تواجهها التنمية اإلنسانية العربية على ثالثة مستويات هي: الحريات،

والمساواة بين الجنسين، واكتساب المعرفة. ويمكن إضافة تهديد اإلرهاب وتصاعد االنقسامات

الدينية والعرقية في المنطقة، وازدياد التطرف وانتشار النزعات األصولية السلبية، واتساع

الفجوة بين األغنياء والفقراء على مستوى الدول، وداخل كل دولة على حدة.

وأهم من ذلك كله عدم جاهزية المنطقة العربية للتحديات االقتصادية المترتبة على العولمة،

وعدم تناغمها مع التطور التكنولوجي في العالم. وبعد سبع سنوات صدر التقرير الخامس برعاية

برنامج األمم المتحدة اإلنمائي في 21 يوليو/ 2009 ومساهمة نحو 100 خبير وأكاديمي )عرب

وأجانب( متخصصين في شؤون العالم العربي، تحت عنوان “ تحديات أمن اإلنسان في البلدان

ع ّر أمن اإلنسان بأنه “ تحرر اإلنسان من التهديدات الشديدة، والمنتشرة العربية ”، حيث ف

والممتدة زمنياً والواسعة النطاق التي تتعرض لها حياته وحريتـه ”.

وتضمن سبعة تحديات يواجهها أمن اإلنسان في البلدان العربية، وقد جاءت مرتبة بحسب قيمتها

االستراتيجية. والحقيقة، سيجد قراء التقرير أ ّن مضامينه مألوفة، وقد تمت مقاربتها في التقارير

األربعة السابقة: أولها، صدر في سنة 2002 تحت عنوان “ خلق الفرص لألجيال القادمة ”،

وقد تضمن ثالث عقبات رئيسية تواجه العالم العربي تتمثل في:

احترام الحريات اإلنسانية، وتمكين المرأة، واكتساب المعرفة.

وثانيها، صدر في سنة 2003 تحت عنوان “ إقامة مجتمع المعرفة ”، وجاء فيه: أ ّن المعرفة

تساعد بلدان المنطقة كمحرك قوي للنمو االقتصادي وتسريع اإلنتاجية، وتوسيع وتعزيز قيم

الحرية والعدالة من خالل إرساء الحكم الرشيد.

وثالثها، صدر سنة 2004 تحت عنوان “ دعوة للحرية والحكم الصالح في العالم العربي“،

وتضمن رصداً معّمقاً لنقص الحريات والحكم الصالح، ودعا لإلصالح في المجالين السياسي

والقانوني.

ورابعها، صدر سنة 2005 تحت عنوان “ نحو نهوض المرأة في الوطن العربي ”، حيث ركز

على ضرورة رفع القيود المفروضة المكبلة لطاقات وحريات المرأة العربية، باعتباره عامل

أساسي والزم للتنمية في البلدان العربية كافة.

غير أ ّن الجديد في تقرير العام 2009 يكمن في توظيفه مفهوم “ أمن اإلنسان ”، وسعيه إلى

تحليل التحديات التي تواجه العرب دوالً ومجتمعات.

إذ أ ّن “ أمن اإلنسان “ في البلدان العربية محكوم بسبعة تحديات متكاملة من حيث الوظائف

واألبعاد:

1 – البيئة والضغوط على الموارد، إذ من النادر أن يصدر تقرير دولي يتناول قضايا مصيرية

تتعلق بأمن البشر ويعتبر البيئة أبرز العناصر المؤدية إلى انعدام األمن، حيث اعتبر التقرير أ ّن

الضغوط البيئية المتعاظمة التي تواجهها المنطقة العربية ستؤدي إلى نزاعات سببها التنافس على

الموارد الطبيعية المتناقصة.

إ ّن البلدان العربية، التي ضمت 317 مليون نسمة عام 2007 ستصل، حسب توقعات األمم

المتحدة، إلى 395 مليون سنة 2015 ،60 % منهم ال تتجاوز أعمارهم 25 سنة، وهي أعلى

نسبة للشباب في العالم )متوسط معدل العمر فيها 22 سنة مقابل متوسط عالمي يبلغ 28 سنة(.

14

كما سيتجاوز معدل التحضــر 60 % بحلول العام 2020 ،مما يعني توقع مزيد من التغيّرات في

المنظومة القيمية واالجتماعية في عموم البلدان العربية. ومقابل هذا التطور التصاعدي في

مكّونات البيئة الحاضنة للديمغرافيا العربية، ثمة معطيات ضاغطة على أمن واستقرار البيئة، من

قبيل ندرة المياه

و ُش ّح مصادرها،

حيث يقدر الحجم اإلجمالي السنوي لموارد المياه السطحية المتوافرة في الدول العربية بنحو

277 مليار متر مكعب سنوياً ال ينبع منها في المنطقة العربية سوى نسبة 47 ،% في حين

يشترك في 53 % مع غيره من دول الجوار والمنابع، ناهيك عن مخاطر التصحر )يهدد نحو

87.2 مليون كيلومتر مربع أو نحو خمس المساحة اإلجمالية للمنطقة العربية(،

وتلوث المياه، وإجهاد مصادرها الجوفية. وبطبيعة الحال لن تكون البلدان العربية في منأى عن

التغيّرات المناخية التي تعرض لها العالم في العقود األخيرة، والتي بدأت تظهر نتائجها واضحة

على الطبيعة واإلنسان.

2 – ضعف الدولة وعسر تحولها إلى وعاء حاضن ألمن اإلنسان وسالمته واستقراره، فمما ال

يختلف حوله اثنان إخفاق الدولة العربية الحديثة في إدراك مقّومات الحكم الرشيد، كما هو

متعارف عليها دولياً، وفي جل المسوحات واالستطالعات التي أجراها معدّو التقرير كان نصيب

الدول العربية ضعيفاً من حيث مدى قبول المواطنين لها )الشرعية(، ودرجة التزامها بالعهود

الدولية الخاصة بحقوق اإلنسان،

ومن حيث كيفية إدارتها الحتكار حق استخدام القوة واإلكراه، ومدى قدرة الرقابة المتبادلة بين

المؤسسات على الحد من إساءة استخدام السلطة.

حيث أكد التقرير أ ّن “ العالقة بين الدولة وأمن اإلنسان ليست عالقة سليمة، ففيما يُتوقع من

الدولة أن تضمن حقوق اإلنسان نراها في عدة بلدان عربية تمثل مصدراً للتهديد ولتقويض

المواثيق الدولية واألحكام الدستورية الوطنية ”.

كما تناول التقرير اإلخفاقات الدستورية، فأشار إلى أنه رغم وجود دساتير في معظم البلدان

العربية فإنه “ في عدة مجاالت جوهرية، ال تلتزم الدساتير العربية بالمعايير الدولية المنصوص

عليها في االتفاقيات الدولية التي انضمت إليها الدول المعنية، ويؤدي ذلك إلى اإلخالل بمستويات

أمن اإلنسان ”،

وفنّد التقرير بعض هذه المعايير فأشار إلى أ ّن “ ثمة دساتير عربية تتناول حرية الرأي والتعبير

بصورة غامضة مع الجنوح إلى التقييد ال إلى التسامح .. وهناك دساتير عربية عديدة تحيل

تعريف الحقوق إلى القوانين التي تصدرها سلطة الدولة، بل تجيز التعدّي على حريات األفراد

وحقوقهم وانتهاكها ”.

ويتحدث التقرير عن استخدام القانون لتقييد الحريات، فيشير إلى أ ّن ست دول عربية تمنع

مواطنيها من ممارسة العمل السياسي، كما تقيّد إقامة وعمل الجمعيات المدنية وتفرض الرقابة

عليها في معظم الدول العربية، كما تشهد بعض الدول العربية أحكاماً عرفيةً أو أحكام طوارئ منذ

عقود، رغم أ ّن هذه األحكام عادة ما تكون لفترة محددة، وتستخدم بعض الدول القوانين لتهديد “

حرية التعبير وتزيد من الصالحيات الممنوحة للشرطة لتفتيش الممتلكات والتصنت واالعتقال،

وفي بعض الحاالت تزيد من اإلحالة على المحاكم العسكرية ”. وعلى العموم أخفقت القوانين في

تحقيق التوازن المطلوب بين أمن المجتمع من جهة والحريات الفردية من جهة ثانية،

وكان من نتائج ذلك أ ّن السلطة القضائية في أغلب البلدان العربية “ تعاني انتهاك استقاللها

بصورة أو بأخرى جراء هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية ”، وقد أدى

ذلك إلى أ ّن “ كثيراً من مواطني البلدان العربية يعيشون في حالة من انعدام الحرية، ويُحرمون

من اإلدالء بأصواتهم، واختيار ممثليهم ”.

15

كما يتحدث التقرير عن دعوات اإلصالح، التي ارتفعت خالل السنوات األخيرة في بعض البلدان

العربية، فيشير إلى أ ّن تلك الدعوات “ قوبلت بالترحيب. غير أ ّن هذه المبادرات على أهميتها،

كانت تفتقر إلى الفاعلية ولم تغير من طبيعة العقد االجتماعي في البلدان العربية، أو األسس

البنيوية للسلطة في المنطقـة ”.

وأثار التقرير، ضمن تعريفاته لمفهوم “ أمن اإلنسان ”، نقطة معرفية على درجة بالغة األهمية،

تتعلق بطبيعة الدولة القادرة على تحقيق األمن بالمواصفات المبينة أعاله. إذ يشير إلى أ ّن “ الفرد

ال يضمن لنفسه األمن إال في ظل دولة قوية، تخضع للمحاسبة، وتحكم بشكل جيد ”، ما يعني أن

معط ًى تقعيد حكم الدولة على أسس ومبادئ الحكم الرشيد شرط ال مندوحة عنه، وهو ما نراه

إشكالياً في البلدان العربية.

ولم يفلت من جدلية العالقة مع دور الدولة العربية ومسؤولياتها، كما ش ّخصتها بكفاءة أمة العليم

السوسوة مساعدة األمين العام لألمم المتحدة، عندما كتبت في مقدمة الوثيقة “ إ ّن أمن اإلنسان

وأمن الدولة وجهان لعملة واحدة، فضمان أمن اإلنسان يؤدي ليس إلى المزيد من فرص التنمية

البشرية فقط، وإنما يم ّكن الدولة أيضا من االستفادة المستديمة من البيئة، ومن استحقاق

شرعيتها في نظر مواطنيها، ومن االستفادة من التنوع وتقوية اقتصادياتها في وجه التقلبات

العالميــة ”.

3 – األمن الشخصي للمواطنين في البلدان العربية، فإذا كانت المعّوقات البنيوية التي تحول دون

قيام الدولة بوظائفها الدستورية والسياسية في توفير شروط “ أمن اإلنسان “ في العالم العربي

بالوجه األكمل، فإن ثمة “ فئات خارج نطاق التيار المجتمعي الرئيسي ال تتمتع باألمن الشخصي

على اإلطالق ”،

وقد حصرها التقرير في “ النساء ال ُمك رهات اللواتي تُساء معاملتهن، وضحايا االتجار بالبشر،

واألطفال المجندين والمه جرين داخليا والالجئين. ”، وبإطاللة سريعة على مضامين الفقرات ذات

الصلة، تتجلى خطورة استمرار هذا التهديد على مستقبل تماسك المجتمعات العربية.

وكالعادة تبوأت المرأة العربية مكانة بارزة في التقرير الذي اعتبر البيت مكاناً لممارسة العنف

غير المنظور على الزوجات والشقيقات واألمهات، منوهاً بصعوبة قياس مدى انتشار العنف ضد

النساء في الدول العربية ألنه “ من الموضوعات المحظورة في ثقافة تتمحور حول السيطرة

الذكورية ”، فجرائم الشرف واالغتصاب والنزاعات المسلحة على رأس قائمة أشكال العنف

المما رس ضد المرأة العربية.

ومما يثير االنتباه حجم مشكلة االتجار بالبشر في العالم العربي، إذ أ ّن هذه الظاهرة تتحرك وراء

ستار السرية، تحت سمع الدول وبصرها: فقد تكون الدولة وجهة هذه الظاهرة، أو ممراً للعبور،

أو قد تكون هي نفسها مصدر األشخاص الذين يتم االتجار بهم.

وكما يقول التقرير: باتت البلدان العربية مقصداً رئيسياً لالتجار باألشخاص الوافدين من مختلف

بقاع األرض )جنوب شرق آسيا، وجنوب آسيا، وشرق أوروبا، وآسيا الصغرى، ووسط آسيا

وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء(.

وهذا يعني، بالنسبة إلى الرجال، العمل القسري في ظل ظروف غير إنسانية ال تُحترم فيها حقوق

العمال. وبالنسبة إلى النساء، يعني خدمة منزلية، أو العمل في المالهي الليلية واالستغالل

الجنسي. ولألطفال يعني استخدامهم القسري كمتسولين، أو باعة ج ّوالين، أو ح ّمالين، أو تجنيدهم

في الحروب األهلية )السودان والصومال(.

وبالنسبة إلى الالجئين، يلفت التقرير إلى فرادة المنطقة العربية باعتبـــارها “ المنطقة التي تلتقي

فيها قضية الالجئين األطول عهداً في العالم أي قضية الفلسطينيين بتلك األحدث عهداً في دارفور

”. ويقدر التقرير عدد الالجئين في المنطقة بنحو نصف الالجئين في العالم،

16

وفقاً لألرقام التي سجلتها المفوضية العليا لألمم المتحدة لشؤون الالجئين ووكالة األمم المتحدة

لغوث وتشغيل الالجئين الفلسطينيين )أونروا( و“ عددهم في البلدان العربية نحو 5,7 مليون في

عام 2008 من إجمالي عددهم في العالم البالغ 16 مليوناً ”، ومعظم هؤالء الالجئين من

الفلسطينيين يليهم العراقيون.

ويلفت التقرير إلى أ ّن عدد النازحين داخل بلدانهم يفوق عدد الالجئين “ يبلغ نحو 8,9 مليون

مه ّجر غالبيتهم الكبرى موزعة في ست دول عربية هي السودان وسورية والصومال والعراق

ولبنان واليمن ”.

وأشار إلى أ ّن عامل االحتالل والتدخل العسكري “ يؤديان إلى تهجير الشعوب ويزرعان بذور

التوتر ويعززان الجماعات المتطرفة التي تلجأ إلى العنف ”، إضافة إلى أنهما يساعدان األنظمة

على “ أن تتخذ من حماية األمن القومي ذريعة لتأخير مسيرة الديموقراطية ”.

كما أ ّن المراقبة الميدانية، التي يشير إليها التقرير، رصدت عالقة وثيقة الصلة بين االختالفات

اإلثنية والطائفية والدينية واللغوية في عدد من الدول العربية ونشوب الصراعات المسلحة فيها،

ومنها الصومال والعراق والسودان ولبنان.

كما انتقد التقرير المنحى األيديولوجي أو المذهبي الذي تنتهجه بعض الدساتير العربية، والذي

يُفرغ النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات العامة من كل مضمون، وشملت االنتقادات كذلك

قوانين مكافحة اإلرهاب التي منحت األجهزة األمنية صالحيات واسعة “ قد تشكل تهديداً للحريات

األساسية ”.

ويصف التقرير العالقة بين الدولة وأمن اإلنسان بأنها “ ليست عالقة سليمة ”، ألنه في الوقت

الذي يتوقع من الدولة أن تضمن حقوق اإلنسان، تكون هي نفسها مصدراً للتهديد، واعتبر

التقرير “ أزمة دارفور “ دليالً على تأثير أداء الدولة في أمن اإلنسان.

ولعل من أبرز ما أشار إليه التقرير هو الهوية والتنوع والمواطنة، فهذه القضايا التي شهدت

حراكاً واسعاً خالل السنوات األخيرة شكلت مصدر قلق لإلنسان العربي باعتباره يعيش محيطاً

واسعاً من التنوع اإلثني والديني والطائفي واللغوي، وقد ألمح التقرير إلى أ ّن العرب قد مروا

بمرحلة حاولوا خاللها حجب هذه التنوع،

إال أ ّن التجربة أثبتت أ ّن التنوع قد يكون مصدر قوة لألمم كما يمكن أن يصبح مصدر تهديد

ألمنها، فقد أصبحت الحقوق المنقوصة لبعض المواطنين بسبب انتمائهم الديني أو العرقي أو

الثقافي أو السياسي مصدر اختراق ألمن بعض الدول العربية، حيث ذهبت األقليات تبحث عن

أمنها خارج أوطانها، أو بحثاً عن الشبيه لها في هذا التنوع لتشكل معه تكتالً داخل المجتمع أو

تمتد بجذورها خارجه،

وال شك أ ّن هذه االختالفات ال يمكن التعامل معها إال تحت مظلة المواطنة التي تتعامل مع

مواطنيها على مبدأ المساواة وسيادة القانون، ولعل موضوع المواطنة من الموضوعات القلقة في

حياة اإلنسان العربي، فهو يعيش بين مطالبته بااللتزام بخصوصية هذه المواطنة واالنفتاح على

العالم في إطار العولمة اإلنسانية.

4 – األمن االقتصادي للدول والمواطنين على حد سواء، فمن المفارقات التي أسس عليها التقرير

تحليله خطورة هذا التهديد، اعتماداً على الصورة المض لّلة التي تعطيها الثروة النفطية عن

األوضاع االقتصادية للبلدان العربية المنتجة لهذه الثروة الطبيعية ومشتقاتها، وقد استند في

توضيح هذه المفارقة على المؤشرات المعت مدة في تقارير التنمية البشرية عموماً، من قبيل “

مستويات دخل الفرد وأنماط نموها، خيارات العمل واالستخدام، الفقر، الحماية االجتماعية ”.

كما أفاد التقرير بأ ّن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، في حين تصل نسبة من

يعيشون في فقر مدقع إلى نحو 6.34 مليون عربي بحسب خط الفقر الدولي )2005 .)وفي ما

17

يتعلق بالبطالة “ في العالم العربي بلغت 4,14 % مقارنة بـ 3,6 % على الصعيد العالمي ”،

وأ ّن اتجاهات البطالة ومعدالت نمو السكان تشير إلى أ ّن الدول العربية “ ستحتاج بحلول العام

2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة ”.

وبعد صدور التقرير ُعقد المؤتمر العربي األول بشأن تشغيل الشباب في الجزائر ما بين 14 و16

نوفمبر/ 2009 ،حيث قال المدير العام لمنظمة العمل العربية أحمد محمد لقمان: إ ّن العالم العربي

بحاجة إلى أربعة ماليين وظيفة جديدة سنوياً،

وأوضح أ ّن نسبة البطالة في العالم العربي بلغت 14 % لعام 2009 ،مشيراً إلى حاجة دوله إلى

4 ماليين وظيفة جديدة سنوياً. وتحصي منظمة العمل العربية أكثر من 25 مليون عاطل عن

العمل في العالم العربي.

إ ّن البطالة في العالم العربي تنتشر أكثر بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و25 عاماً

إذ تفوق 25 ،% أ ّن الدول العربية تحتاج بحلول عام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة.

5 – األمن الغذائي، فإذا كانت بعض البلدان العربية قد ابتعدت عن خط الجوع بسبب إعادة توزيع

ريع ثرواتها الطبيعية، وقد وصل بعضها حد التخمة مع ما نجم عن ذلك من مشاكل صحية

)البدانة(،

فإ ّن أكثريتها تعاني مما أسماه التقريــــر “ القصور الغذائي “ المترتب عن عدم توافر ما يكفي

من األطعمة المتنوعة الضرورية للتوازن الغذائي والصحي.

وعلى رغم أ ّن الدول العربية تتمتع بقدر أوفر – نسبياً – على خط الغذاء الدولي مقارنة بخط

الفقر، فإ ّن هناك من السكان من هم مصنفون تحت بند “ الجياع ”، وهناك تباين ملموس بين

البلدان العربية في مدى التقدم في مكافحة الجوع.

والغريب أ ّن الدول العربية تتمتع بدرجة من االكتفاء الذاتي في مجال السلع الغذائية التي يقبل

عليها األغنياء، مثل اللحوم واألسماك والخضر، أكبر منها في المواد الغذائية التي يستهلكها

الفقراء مثل الحبوب والشحوم والسكر. ويظل المستوى المتدني لالكتفاء الذاتي من األغذية

األساسية واحداً من أخطر الفجوات التنموية في المنطقة العربية بحسب ما أكد التقرير.

6 – األمن الصحي، حيث غدا متعذراً ضمان الصحة لكل المواطنين، وتف شت األمراض واألوبئة

القاتلة في العديد من البلدان العربية، ناهيك عن المخاطر الصحية المستجدة، إذ يورد التقرير أ ّن

أكثر من 600.31 بالغ وطفل قضوا في البلدان العربية بسبب “ اإليدز ”.

ومن النقاط اإليجابية النادرة التي أشار إليها التقرير صحة المواطن العربي، إذ حققت البلدان

العربية، على مدى العقود األربعة الماضية، تقدماً مشهوداً في مجال ارتفاع متوسط األعمار

المتوقعة، وانخفاض معدل وفيات المواليد الجدد.

ولكن تظل هناك ثغرات عديدة، إذ أ ّن الصحة ليست مضمونة للجميع، فالنساء يعانين أكثر من

غيرهن من اإلهمال، وبعض التقاليد يمنع حصولهن على الرعاية الصحية المناسبة، باإلضافة إلى

العجز البيروقراطي ونقص التمويل مع تعاظم األخطار الصحية جراء انتشار أمراض معدية

جديدة.

7 – االحتالل والتدخل العسكري، حيث تعاني دول عربية كثيرة من هذا الواقع والمخاطر الناجمة

عن استمراره. إذ عرض التقرير تقييماً لألضرار الناجمة عن االنتهاكات التي ترتكب ضد حقوق

اإلنسان، مع التركيز على آثار “ التدخل “ األمريكي في العراق، واستمرار “ السيطرة “

اإلسرائيلية على األراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك “ الحملة “ األخيرة على غزة.

وجاء في التقرير “ من منظور التنمية اإلنسانية لن يتحقق السالم الدائم إال بإنهاء احتالل إسرائيل

لألراضي التي احتلتها في 1967 واستعادة الحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها حق تقرير المصير.

18

وقد ساهم غياب مثل هذا الحل حتى اآلن في إحباط التنمية اإلنسانية في المنطقة ”. كما أشار إلى

االرتفاع غير المسبوق في أعداد الوفيات في العراق بعد الغزو األمريكي في 2003 والتدهور

العام في األوضاع المعيشية واالقتصادية واالجتماعية والبيئية للعراقيين بعد الغزو.

حاجة العرب إلى التنمية المستدامة

تتضح حاجة البلدان العربية إلى التنمية المستدامة – أكثر فأكثر – بعدما علمنا، طبقا للتقرير

الخامس لبرنامج األمم المتحدة اإلنمائي، بالعناصر السبعة التي حددها التقرير كمؤشرات دالة

على هشاشة البنى السياسية واالجتماعية واالقتصادية والبيئية في المنطقة العربية.

إ ّن نجاح الخطط التنموية العربية ومواجهة تحديات العولمة واقتناص فرصها، يتطلبان توفير

شروط كثيرة، تأتي في مقدمتها توفير مؤسسات ديمقراطية تم ّكن المواطنين العرب من المشاركة

في صياغة مستقبل وطنهم والمفاضلة، بحرية ووعي واستقاللية، بين الخيارات التنموية المتاحة

وطرق ووسائل بلوغها،

وبالتالي إجراء مفاضلة صحيحة بين األعباء والمردودية المتوقعة لكل من هذه الخيارات. مما

يتطلب ضرورة االنطالق من األهداف والمنطلقات التالية:

ـ رفع مستوى األداء االقتصادي، أي رفع مستوى اإلنتاجية وزيادة حجم اإلنتاج القومي، ضمن

نمط قطاعي متوازن قدر اإلمكان.

ـ إتاحة المزيد من السلع والخدمات التي تلبي الحاجات األساسية للشعوب العربية.

والمقنّ وتعبئة المزيد من ـ توفير فرص العمالة المنتجة ومحاولة خفض البطالة، المكشوفة عة،

الموارد البشرية بما يؤدي إلى تأمين المزيد من القدرة الشرائية في يد العدد األكبر من المواطنين

العرب.

ـ إصالح نمط توزيع الدخل داخل األقطار العربية.

ـ تقليص الفجوة التنموية بين أقطار العالم العربي.

ـ تطوير قدرة البيئة االجتماعية والثقافية والسياسية، بحيث تستطيع أن توفر لالقتصاد األفكار

والمعارف والمواقف والمؤسسات الضرورية للتحرك االقتصادي بكفاءة، بحيث يكون نموه

وتحسن أدائه متواصالً.

ـ تحقيق مشاركة شعبية واسعة، واتخاذ القرارات االجتماعية والسياسية واالقتصادية المتصلة

باستراتيجيات وسياسات التنمية.

وقد تبدو الصورة التي تبرز عن التقدم العربي نحو تحقيق أهداف األلفية بحلول عام 2015 غير

مشجعة، ومع ذلك يمكن للدول العربية، إذا رغبت وصممت، أن تغيّر الوضع القائم وتقود المسيرة

نحو تحقيق األهداف المرجوة بتبنّي إدارة حكم جيدة، وسياسات إصالح عادلة لصالح الفقراء،

وإدارة موارد نشطة وفاعلة، وتحديد أولويات واضحة ودقيقة للتنمية البشرية، وتبنّي أو تنفيذ

برامج اإلصالح االقتصادي القادرة على خلق فرص عمل تمتص الداخلين إلى سوق العمل،

وتستقطب نسباً متزايدة من صفوف العاطلين عن العمل، ومعالجة الفجوات بين المدن واألرياف.

إ ّن المطلوب من الدول العربية لمواجهة هذه التحديات أن تعيد صياغة توجهات ومسار التنمية

العربية، بما يساعدها على االستفادة المتبادلة من اإلمكانات والموارد المتوافرة لديها ككتلة

إقليمية قادرة على االستمرار والتواصل، وتطوير التعليم التكنولوجي وتضييق الهوة ما بين

مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وفقاً للتطور العلمي والتكنولوجي،

19

وهذا يتطلب توفير بيئة سياسية وأمنية مناسبة مستقرة، تحمي الطبقات الفقيرة وتحفظ حقوق

اإلنسان األساسية وتلتزم بقيم العدل والمساواة وتحفظ استقالل الوطن وأمنه وتؤمن مستقبله

ومستقبل أجياله.

فال بد من إعادة الهندسة البشرية العربية بشكل يتوافق ومتطلبات العصر، وإلتمام ذلك ال بد من

تجاوز أدوات وأساليب التنشئة االجتماعية المعّوقة لحركة النمو، وهذه مهمة استراتيجية تتطلب

رؤية شمولية وإطار تفكير مختلفاً يتعامل مع التعقيد والتشابك وينأى عن الثوابت واليقين، وإرادة

سياسية صادقة وواضحة وقوية، وإعداد خرائط حاجات تدريبية سنوية بالمؤسسات العربية

وخطط تدريب ديناميكية تلبّي خاصية تجديد االحتياج التدريبي، وإعطاء مفهوم التدريب المستمر

أولوية قصوى وخلق الحوافز لترسيخه وربط نشاط التدريب باإلدارة العليا مباشرة، واالهتمام

بإنشاء حضانات التكنولوجيا وتضييق الهوة ما بين حاجات السوق ومخرجات التعليم وفقا للتطور

العلمي والتكنولوجي، ومحاربة الفساد بكل أنواعه وتسخير الموارد العربية لتنمية شاملة فعالة.

إ ّن وضع حاجات المواطنين األساسية في مقدمة أولويات التنمية وتوسيع المشاركة الشعبية في

عملية صنع القرار، وإخضاع السياسات االقتصادية واالجتماعية والثقافية لمزيد من الدرس

والتمحيص من خالل الحوار العام المفتوح،

من شأنه أن يؤدي إلى إدارة عقالنية للموارد االقتصادية والبشرية. ومن ناحية أخرى، فإ ّن

ضمان سهولة الحصول على المعلومات، وتوفر الشفافية في الصفقات االقتصادية، وإفساح

المجال لتسليط الضوء على جوانب القصور وعدم الكفاءة في األجهزة الحكومية والمؤسسات ذات

الطابع االقتصادي، والكشف عن التجاوزات والممارسات المنحرفة، تساعد على تحسين أداء

األجهزة والمؤسسات الحكومية وتُم ّكن من محاربة الفساد.

وغني عن القول إ ّن الرقابة الشعبية هي وحدها التي تستطيع القيام بمهمة الكشف عن جوانب

القصور ومواطن الفساد والممارسات المنحرفة بفعالية، فأجهزة الرقابة الحكومية في كثير من

البلدان العربية تفتقر إلى الحيادية والنزاهة، وتخضع في كثير من الحاالت لضغوط المسؤولين

عن التقصير والمنتفعين من الفساد، مما يجعلها غير قادرة على إظهار الحقائق وإدانة المق ّصرين

والمفسدين.

إ ّن التنمية والحكم الصالح يمكنهما السير معا إذا توفرت إرادة سياسية، وتشريعات ضامنة

ومؤسسات وقضاء مستقل، ومساءلة وشفافية، وتداول سلمي للسلطة، ومجتمع مدني ناشط،

ورقابة شعبية وإعالم حر. ولهذا فإ ّن التعاطي المجدي مع اإلشكاليات والتحديات إنما يستهدف

اختيار السبل الصحيحة والمناسبة إلحداث التنمية اإلنسانية المنشودة والشاملة، في ظل حكم

صالح/راشد ورقابة فعالة من قبل مؤسسات المجتمع المدني.

كما يجدر بنا أن نقلع عن تحميل مسؤولية عجزنا وتأخرنا على اآلخر الغربي، فإذا نسبنا

مسؤولية كل ما نتعرض له من إجحاف وظلم إلى اآلخرين، فلن يكون من الممكن أن نحدد ألنفسنا

مهام خاصة بنا، وسنظل أسرى منطق دائري يجعلنا نعكف على انتظار الخالص بالصدفة. بينما

المطلوب أن نتحرر من هذه النزعة،

وأن نجري تغيّرات ثقافية جوهرية، تتضمن – قبل كل شيء – االعتراف بمسؤوليتنا المباشرة

عن أوضاعنا الراهنة وعن مصائرنا، ومن ثم عن المعطيات األساسية لمستقبلنا العربي في اإلطار

العالمي.

ولعل أبرز الدروس التي يجدر بنا استيعابها للتعاطي المجدي مع التحديات التي طرحها التقرير:

التأكيد على أ ّن التحديات الخارجية تفترض أصالً إصالح أنظمة الحكم ومحاربة الفساد، وإعالء

شأن المواطنين في دولة القانون. إذ تحتاج المجتمعات العربية إلى إصالح الخدمات الحكومية

األساسية في التعليم والصحة والرعاية االجتماعية، وحمايتها من التدمير واإلفشال المتعمد،

20

أل ّن ذلك يؤدي إلى توزيع غير عادل للفرص األساسية، ويه ّمش فئات واسعة من المجتمعات

واألجيال، ويحرمها من القدرة على المشاركة والتأثير، أو يثقل كاهلها المثقل أساساً لتحمل أعباء

كبيرة وهائلة لتأمين التعليم والعالج من خالل القطاع الخاص، فال يمكن الحديث عن حياة سياسية

وبرامج إصالح في بيئة ال يستطيع المواطنون فيها الحصول على تعليم وعالج مناسب والئق.

كما أ ّن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب إيجاد حالة من التوازن االجتماعي بين الحريات الفردية

من ناحية، ودور الدولة من ناحية أخرى، وبين القطاع العام والقطاع الخاص، وبين مصالح

رجال األعمال ونقابات العمال، وإزالة التناقض الزائف بين هذه األمور.

ففي إطار الحرية االقتصادية يبقى للحكومات دورها في تشجيع مناخ االستقرار االجتماعي

واالقتصادي، وفي رسم سياسة الضرائب، وسياسة الخدمات االجتماعية، وتحسين التعليم

والبنية األساسية، بالشكل الذي يؤدي إلى توسيع فرص العمل وإتاحتها ألكبر عدد من الناس.

وانطالقاً من أ ّن الناس ال ينظرون إلى المستقبل على أنه ذلك المجهول الذي ال يمكن معرفة

مكنوناته والتحكم في مجرياته، بل باتوا يخططون له ويعملون على التأثير في اتجاهاته الرئيسية.

فإننا نرى أهمية صياغة تصورات أولية للتنمية العربية في المستقبل، منطلقين من أنه لم يعد

ممكناً الكفاح ضد “ النظام العالمي “ من خارجه، فالعالم أضحى اليوم “ قرية صغيرة “ أطرافه

مترابطة ومتبادلة المنافع.

مما يجعلنا ندرك أ ّن قوة العالم العربي وقدرته على التعامل المتكافئ مع العالم الخارجي إنما هما

مرهونتان – أساساً – بقدرة أقطاره على التنسيق والتكامل فيما بينها، وعلى خلق سوق عربية

واحدة، تحقق الكفاية والفاعلية االقتصادية من ناحية، والقدرة على تقليص التبعية والتعامل

المتكافئ مع الخارج من ناحية أخرى.

خاتمة

وتبقى األسئلة ُم ْش ر عةً: لماذا تتعثر مشاريع اإلصالح في البلدان العربية؟ ولماذا تغيب

استراتيجيات التنمية؟ ولماذا يتفاقم الفساد؟ ولماذا تنتهك الحريات السياسية واالجتماعية. بل لماذا

تستمر االحتالالت األجنبية في منطقتنا من دون رادع؟ ولماذا تزداد اله ّوة بين األنظمة السياسية

وشعوبها؟

التقرير يرى أ ّن اإلجابة تكمن في هشاشة البنى السياسية واالجتماعية واالقتصادية والبيئية في

المنطقة، وفي افتقارها إلى سياسات تنموية تتمحور حول الناس، وفي ضعفها حيال التدخل

الخارجي، وقد تضافرت هذه العوامل جميعاً لتقويض أمن اإلنسان، وهو األساس المادي

والمعنوي لحماية وضمان الحياة ومصادر الرزق، ومستوى من العيش الكريم، ذلك أ ّن أمن

اإلنسان من مستلزمات التنمية اإلنسانية، وقد أدى غيابه، وعلى نطاق واسع في البلدان العربية،

إلى عرقلة مسيرة التقدم فيها.

وتبقى المسؤولية األولى واألخيرة ملقاة على عاتق الدولة الوطنية العربية وسياساتها على

مختلف األصعدة، قبل أن تتحملها القوى الدولية والخارجية.

فهل تتوقف الحكومات العربية عن هدر الحقوق اإلنسانية وإبطال مفعول القوانين المنصفة؟

وهكذا، لم ينت ه التقرير إلى فراغ، بعدما كشف عن ضراوة المشكالت اإلنسانية وتفاقمها في العالم

العربي، بل سجل ما سماه األركان السبعة ألمن اإلنسان العربي،

التي تتحمل مسؤولية االلتزام بها الحكومات ومؤسسات الدولة أوالً، ثم مؤسسات المجتمع

المدني، وجميع القوى االجتماعية المنظمة، فلهذه األركان أهمية مركزية في حياتنا من أجل

إصالح الوضع القائم بدءاً من:

21

• المحافظة على األرض وصونها ورعايتها لمواجهة الضغوط البيئية والسكانية، وضمان الحقوق

والحريات والفرص األساسية للمواطنين دونما تمييز.

• وانتهاء باإلقرار السياسي بأ ّن استمرار انتهاكات حقوق اإلنسان واالعتداء على سيادة البلدان

وحياة مواطنيها من جانب القوى المحلية واإلقليمية والعالمية ستجد طريقها إلى الفشل ال محالة.

هكذا، تستوجب عملية إعادة بناء أمن اإلنسان العربي “ المحافظة على األرض وصونها

ورعايتها، وكذلك على المياه، والهواء، والبيئة التي تقوم عليها حياة شعوب البلدان العربية ”،

كما تستلزم “ ضمان الحقوق والحريات، والفرص األساسية دون تفرقة وال تمييز ”، إضافة إلى

“ اعتراف الدولة والمجتمع بسوء المعاملة واإلجحاف اللذين تعانيهما كل يوم الفئات الضعيفة ”،

مع “ التخطيط لتدارك الضعف في الدعائم البنيوية لالقتصاديات العربية التي تعتمد على النفط

والتخفيف من فقر الدخل ”، و“ القضاء على الجوع وسوء التغذية ”، ثم “ االرتقاء بمستويات

الصحة للجميع، باعتبارها حقاً من حقوق اإلنسان، وواحداً من المستلزمات األساسية ألمن

اإلنسان ”.

وتشترط عملية إعادة تأسيس أمن اإلنسان في البلدان العربية تحريره من االحتالل الجاثم على

أراضيه، وصون مقّومات أمنه اإلقليمي من التدخالت األجنبية. إنها في الحقيقة عناصر عامة

وشاملة تحتاج إلى أدوات عملية، أي سياسات عامة لجعلها قابلة للتنفيذ في الواقع.

وفي كل األحوال يبدو أ ّن التقرير سيفرض نفسه على الحلبة الثقافية العربية وسيثير الجدل الذي

فحواه: إ ّن الدولة اآلمنة في األلفية الثالثة، ليست تلك التي تملك ترسانة من األسلحة والمعدات

العسكرية، والجيوش الضخمة عددياً، ولكن تلك التي كونت إنساناً مدنياً قادراً على حماية الدولة

نفسها، واالستعداد للتضحية من أجل بقائها واستمرارها بيتاً للجميع.

وأثبتت الدراسة بأن البحث ٕان النظرية تمثل نسقا فكريا حول ظاهرة معينة وهي تفسير لها من

خالل نسق استنباطي. وتعرف بانها: عبارة عن مجموعة مترابطة من المفاهيم والتعريفات

والقضايا التي تكون رويا منظمة للظواهر عن طريق تحديد العالقات بين متغيراتها بهدف

تفسيرها والتنبؤ بها.

ولبناء النظرية بين الدعجة انه يتوجب وجود ما يأتي: إطار تعددي، مجموعة من المفاهيم تتناول

مفهوم النظرية، اصطالحية وإجرائية علمية. وان تحتوي النظرية على مجموعة من القضايا مع

بيان عالقة المتغيرات مع بعضها البعض. وان ترتب القضايا في نسق استنباطي يبدأ بالمقدمات

وينتهي بالنتائج وان تكون ذات اتساق منطقي.

وان تفسر النظرية الواقع التي تشتمل عليه كما ان لها شروط تستوفيها بحيث تكون مكونات

النظرية واضحة ودقيقة وان تعبر على ما تدل عليه بإيجاز.

وان تشمل النظرية معظم الجوانب وتحللها وتفسرها قدر اإلمكان. وال بد لها من إطار تفسيري

خاص بها. وان تستمد النظرية إطارها المرجعي والتفسيري من حقائق ومالحظات واقعية يمكن

اختبارها علميا.

وان تكون قادرة على التنبؤ. كما أن لها وظائف تقوم بها وهي: تحديد هوية العلم والتأكيد على

الدور المعرفي التراكمي. كما تعتبر نقطة البدء في دراسة الظواهر االجتماعية. ولها قيمة علمية

بترتيب أفكار الباحث وتزويده بالمفاهيم والمتغيرات ذات العالقة. وتساعد على تحديد اتجاه

الظاهرة مستقبال والتنبؤ، واالنتقال من الجانب النظري ٕالى الجانب التطبيقي

االستنتاجات

وعلى ما تقدم يمكن أن نجمل بعضا من هذه المتغيرات التي تودي ٕالى االنحراف الفكري على

مستوى الفرد والجماعات من حيث إدراك عدم العدالة وعدم المساواة في الكثير من القضايا

الدولية اإلقليمية، وازدواجية المعايير

22

ما ُيوجد فجوة فكرية لدى الفرد والجماعات، ويطرح أسئلة: لماذا تتخذ الدول واألمم المتحدة

والمجتمع الدولي موقفًا في موضوع واحد ذي معايير واحدة موقفين متناقضين؟ لماذا االزدواجية

في المواقف؟ لماذا.

وأسئلة كثيرة، ما يؤدي في النهاية ٕالى التمرد على القوانين الدولية والوطنية في محاولة لتغيير

الواقع أو للتعبير عن رفضه.

وبهذا يعتبر الفكر المادة األولى ٕاما الستتباب األمن والطمأنينة، وإما لالنحراف الفكري الذي

يؤدي ٕالى الدمار والتخلف؛ وعليه تعمل محاولتنا هذه لطرح نظرية لألمن الفكري تعالج هذا

النقص الحاصل في إطار النظريات المعالجة لالنحراف الفكري.

ٕان األمن الفكري ينطلق من خالل محددات داخلية، وتلعب البيئات االجتماعية واالقتصادية

والوطنية دوً را بارزا في تحديد الفكر سلبا أو إيجابا، فهي تنبع من قيم المجتمع المتصفة

باالعتدال والوسطية والتسامح، وهو النهج الذي تجمع عليه وتسلكه األمة بشكل عام.

ًّا لألمن الفكري يأتي من األفراد والجماعات داخل الدولة نفسها، فيأتي

ولك ن هناك تهديدًا داخلي

التهديد من الداخل، ويعكر صفو األمن الوطني بسبب االنحراف الفكري بسبب البطالة والفقر

والفراغ، وهذا الجانب ضمن سياق البيئة الداخلية للدولة.

وأما الخارجية فتاتي من الغزو الثقافي والفكري واختالف القيم والمصالح بين الدول والمواقف

الدولية المتناقضة تجاه قضايا المسلمين

أما السياق اآلخر فانه األمن الفكري الذي تُحصن الدولة نفسها ضده، وهو المتأتي من تهديد

خارجي عبر الجماعات المنظمة، أو دول تعمل على غزو فكري وتهدد األمن الوطني للدولة،

التوصيات

إن تحسين االقتصاد على المستوى الوطني، وتحقيق التكامل االقتصادي العربي، يمثالن محورين

رئيسين لتحقيق العيش الكريم وإزالة أسباب الفقر، وسد الذرائع أمام نزعات التطرف واإلرهاب”.

الن آليات وتدابير الوقاية في المجال االقتصادي، تسعى إلى تعزيز التنمية الشاملة على المستوى

العربي من خالل وضع بند دائم على جدول أعمال القمة العربية التنموية: االقتصادية

واالجتماعية،

بشأن مراجعة وتنفيذ االتفاقيات االقتصادية العربية، ووضع آليات عمل لتنفيذها خالل مدة زمنية

محددة، لما يحقق تنمية اقتصادية واستثمار الكوادر العربية في المجال االقتصادي، ووضع

استراتيجية عربية للتنمية الزراعية المستدامة للعقدين القادمين تكفل تحقيق األمن الغذائي

العربي، وتسهم في تحقيق الرضا المجتمعي.

بناء رؤية عربية قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية بما يكفل تحقيق األمن الغذائي والمائي

والبيئي، ودرء آثارها السلبية على االقتصاد واالستقرار السياسي، وما يتبعها من نوبات نزوح

وهجرة جماعية كثيفة خاصة في أماكن الجفاف والتصحر، وتفعيل رؤية البرلمان العربي بشأن

معالجة الفقر في العالم العربي من منظور تشريعي وإنساني، في إطار الجهد العربي بشأن التعامل

مع قضية الفقر وأسبابه وتداعياته، وسبل مكافحته والحد من آثاره السلبية.

أهمية بناء مشاريع التنمية المتوازنة على المستوى الوطني، والتي تُعد مدخالً أساسياً لتحقيق

مشاعر الرضا الوطنية، وضمان التوزيع العادل للموارد الذي يؤمن رعاية األسرة للنشء

والشباب، والمحافظة على القيم، وتحصينهم ضد كل محاوالت االستقطاب التي تمارسها الجماعات

المتطرفة والتنظيمات اإلرهابية.

أهمية إنجاز مشاريع اجتماعية عربية مشتركة ورائدة، ثنائية ومتعددة األطراف، تفتح المجال

أمام بناء نموذج فكري عربي رائد، وعلى سبيل المثال: إقامة نماذج لمدارس المستقبل برعاية

23

عربية، وإنشاء جامعات تعليمية عربية نموذجية، ومراكز عربية نموذجية للبحث العلمي، ومبادرة

عربية رائدة للنهوض بالتعليم والبحث العلمي تتماشى مع التطورات التقنية، واالستفادة من

التجارب اإلقليمية والدولية المتطورة.

المصادر

1 .ابو هالل العسكري – الفرق في اللغة -دار االفاق – بيروت – ط 1973

2 .احمد ابراهيم محمود: اإلرهاب الجديد -الشكل الرئيسي للصراع المسلح في الساحة الدولية، مجلة السياسة الدولية، العدد

137 السنة الثامنة والثالثون، يناير 2002.

3 .احمد جالل / مكافحة االرهاب، مطابع الشعب ن القاهرة /1987

4 .احمد جالل عز الدين. االرهاب والعنف السياسي – القاهرة. دار الحرية. عدد 10 /1986

5 .أسامه الغزالي حرب –االرهاب كأحد مظاهر استخدام العنف عربياً ودولياً، حملة عنابر عدد بيروت،1987

6 .اسماعيل الغزال االرهاب والقانون الدولي والموسوعة الجامعية للنشر. بيروت 1990 .7 .إمام حسانين خليل: اإلرهاب

وحروب التحرير الوطنية، دار مصر المحروسة، القاهرة، ط1 ،2002

8 .أدونيس العكرة / االرهاب السياسي الطبع /بيروت 1993

9 .باسيل يوسف: تطور معالجة األمم المتحدة لمسألة اإلرهاب الدولي بين الجوانب القانونية واالعتبارات السياسية 1972-2001

10 .بطرس غالي / االمم المتحدة ومواجهة االرهاب / مجلة السياسية الدولية العدد 127 يناير 1997.

11 .بيرانور على وكمال عثمان، الوجير في علم االجرام – القاهرة .1987

12 ..بليشينكووزادانوف: اإلرهاب والقانون الدولي، ترجمة المبروك محمد الصويعي، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع واإلعالن،

طرابلس، ط1 ،1994

13 .جميل صليب / المعجم الفلسفي، مجلد القومية، دار الكتاب النفائسي بيروت

14 .حبيب هللا يحيى، اتفاقية االرهاب والعولمة / دار الشؤون الثقافية العام بغداد السنة بال. 15 .حسن محمد طوايلة، العنف

واالرهاب من المنظور السياسي مصر والجزائر رسالة ماجستير الجامعة المستنصرية – المعهد العالي للدراسات – الدولة

السياسية 1998

16 .حسنين المحمدي، العالم بين االرهاب والديمقراطية. مصر االسكندرية – دار الفكر الجامعي -2007

17 .حمد نور فرحان، العنف والجماعات الهامشية ألغلبية المنابر العدد 4/بيرو ت سنة الطبع بال

18 .خالد عبيدات االرهاب يسيطر على العالم – مركز عمان للنشر حقوق االنسان 2007 ، بحث منشور على الموقع االلكتروني .

19 .خالد عيدان، االرهاب يسيطر على العالم –مركز عمان للدراسات حقوق االنسان =االردن-2007

20 .خضير ياسين الغانمي-الوسائل السلمية لتسوية النزاعات الدولية… رسالة ماجستير -الجامعة المستنصرية

21 .شريف بسيوني: التجريم في القانون الجنائي الدولي وحـماية حقـوق اإلنسان، في: حقوق اإلنسان: دراسات حول الوثائق

العالمية واإلقليمية، شـريف بسيوني وأخرين، المجلد الثاني، دار العلم للماليين، القاهرة، بدون تاريخ.

22 .الشيرازي، السلم والسالم، دار العلوم، بيروت-لبنان، الطبعة األولى 1426هـ-2005م

23 .المجلسي، بحار االنوار ج101 ،ط-بيروت 2007

24 .صالح الدين عمار – المقاومة الشعبية المسلمة في القانون الدولي دار الفكر العربي القاهرة 1977

25 .عبد االحمد يوسف، الجريمة المنظمة دار الكلمة، دمشق،2002

26 .عبد العزيز محمد سرحان، تعريف االرهاب الدولي وتحديد مضمون مجلة للقانون الدولي 1973

27 .عبد العزيز محمد سرحان، مبادى القانون الدولي العام ، دار النهضة العربية/ 1975

28 .عزت سيد اسماعيل – سيكولوجيا التطرف واالرهاب العدد 6 دوريات كلية اآلداب الكويتية 1995

24

29 .عصام العطية: القانون الدولي العام، دار الحكمة للطباعة والنشر، بغداد، ط5 2002

30 .غسان خليل –حقوق الطفل –التطور التاريخي-مطابع وزارة حقوق االنسان العراقية –بغداد-2005-

31 .فواد قسسطنين /اإلرهاب الدولي –دراسة تحليلية في طبيعة المظاهر االرهابية ومكافحتها من التقاليد والممارسات الصهيونية

/رسالة ماجستير / ج مقداد كلية العوم السياسية 999 1

32 .المبروك محمد الصويعي، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع واإلعالن، طرابلس، ط1 ،1994.ص133-134

33 .مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي – القاموس المحيط – مطبعة الرسالة – بيروت 998

34 .محمد محمود المندالوي – االرهاب عبر التاريخ، دار ومكتبة الهدال – بيروت 2009

35 .محمد وليد، االرهاب في الشريعة والقانون، بيروت 2007

36 .مؤنس محي الدين. االرهاب في القانون الجنائي رسالة دكتوراه – كلية الحقوق جامعة المنصورة 1983

37 .نبيل هادي، افراد االرهاب في الشرق االوسط، دار الفارابي، بيروت،1991

38 .هيفاء احمد محمد، ظاهره العنف السياسي في الوطن العربي، رسالة ماجستير، كليه العلوم السياسية جامعه بغداد/1998