فضائل شهر شعبان

فضائل شهر شعبان
فضائل شهر شعبان

– بقلم : الداعية الإسلامية : م/ بهيرة خيرالله – بتاريخ 23 فبراير 2024م – الموافق 13 شعبان 1445 هـ..

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين *

مقالة : فضائل شهر شعبان :

شهر شعبان له فضائل عدة ؛ فإنه يتشعب فيه خيرٌ كثيرٌ ، وهو يقع بين شهرين عظيمين هما شهر رجب من الأشهر الحرم وشهر رمضان المعظم ، لذا فشهر رجب هو شهر الزرع ، وشهر شعبان شهر سقى الزرع ،

وشهر رمضان شهر حصاد الزرع . – ففيه فرض الصيام والزكاة علي المسلمين بالمدينة المنورة فى العام الثاني الهجري ،

ونزل الوحي علي رسول الله – صلي الله عليه وسلم- فيه مُعلنا بدء فرض صيام شهر رمضان علي المسلمين بقوله تعالي : { يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكُم الصِّيامُ كمَا كُتِبَ عَلي الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لعَلَّكُمْ تتقونَ } [ البقرة:183] . –

لذا كان شعبان كالمقدمة لرمضان ، شرع فيه ما يشرع فى رمضان من الصيام وقراءة القرآن للتأهب وترويض النفس على طاعة الله ودخول شهر صيام الفريضة والعبادة فى رمضان ، حتى أنه يُقال عنه ” شهر القُراء” ،

ويقال عن رمضان ” شهر القرآن” . – وهو الشهر الذي ترفع فيه أعمال السنة إلي الله عزَّ وجلَّ ؛ فعن أسامة بن زيد – رضي الله عنه-

قال : قلت : يا رسول الله لَمْ أركَ تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال- صلي الله عليه وسلم-: ( ذاك شهرٌ تغفلُ الناسُ فيه عنه ، بين رجب ورمضان ،

وهو شهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين ، وأحِبُّ أن يُرفَع عملى وأنا صائم ) . لذا يستحب الإكثار فيه بالصيام تأسيا برسول الله – صلي الله عليه وسلم- وأمهات المؤمنين والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .

– وليلة النصف منه تسمي ” ليلة المغفرة “؛ فعن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- عن النبى- صلي الله عليه وسلم- أنه قال : ( إنَّ اللهَ ليطَّلعُ فى ليلة النصف من شعبان فيغفرُ لجميع خلقِه إلا لمُشركٍ أو مشاحنٍ ) .

؛ وعن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال : قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم- : ( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ،

فإنَّ اللهَ ينزلُ فيها لغروب الشمس إلي السماء الدنيا ، فينادي : ألا من مُسترزق فأرزقه ، ألا من مُستغفر فأغفر له ، ألا من مُبتلي فأعافيه ، ألا كذا ألا كذا … حتي يطلع الفجر ) .

وهو الشهر الذي أرضي الله تعالي فيه رسوله – صلي الله عليه وسلم- فى أربع : أرضاه في قبلته ؛ أرضاه فى مقامه ؛ وأرضاه في آل بيته ؛ وأرضاه في إشارته .. 1) فقد حوَّل قبلة المسلمين من المسجد الأقصي إلي البيت الحرام إرضاء له ؛ حيث نزل قوله تعالي : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ… (144)} [ سورة البقرة ] .

وكان رسول الله – صلي الله عليه وسلم- منذ فرضت الصلاة فى ليلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة يصلى إلى بيت المقدس وهو بمكة ،

جاعلاً الكعبة بين يديه ليجمع بين قبلة أبيه إبراهيم – عليه السلام- وقبلة الأنبياء من بعده ؛ فلما هاجر إلى المدينة كان لزاماً أن يُعطى ظهره للبيت الحرام ليستقبل بيت المقدس ،

فحنَّ قلبه إلى قبلة أبيه إبراهيم … فأعطاه ربه مراده وأرضاه فى قبلته . 2) شرَّف نبيه – صلي الله عليه وسلم- حياً وميتاً ، حين أنزل تعالي قوله تعالي : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [ سورة الأحزاب ] .

فأخبر تعالي عباده بمنزلة عبده ونبيه – صلي الله عليه وسلم- عنده في الملأ الأعلى بأنه يُثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه ، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا … فأرضاه فى مقامه .

3) وأرضاه – صلي الله عليه وسلم- فى أهله ، حين أنزل قوله تعالي : { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [ الأحزاب] – وأهل البيت هم : فاطمة وعلي والحسن والحسين ،

وسائر نساء النبي رضي الله عنهم وأرضاهم ؛ وكان الأمر لهنَّ بالقرار في بيوتهنَّ وعدم التبرج والطاعة عموما لأنه أسلم لهنَّ وأحفظ ليبعد عنهنَّ الأذي والشر والخبث … فأرضاه فى آل بيته .

4) أرضاه – صلي الله عليه وسلم- فى إشارته ؛ فقد انشق القمر له بإشارة من يده الشريفة ، وذلك بمكة قبل الهجرة ؛ فقد روي أحمد والبخاري ومسلم : عن أنس وابن مسعود وابن عباس : أن أهل مكة سألوا رسول الله – صلي الله عليه وسلم- أن يُريهم آية ، فأراهم القمر شقين علي كل جبل فرقة ،

حتى رأوا حراء بينهما . فقالوا : سَحَرَنا محمد . وأنزل الله تعالي مصداق ذلك وهو قوله : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ

(1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ

(2)} [ القمر] ؛ فكانت آية وحُجة على صدق قوله , وحقيقة نبوته . هذا وقد ورأي المعاصرون من علماء الفضاء الصخور الإلتحامية لكامل دائرة القمر علامة علمية علي انشقاقه ،

فأسلم وآمن من صدق منهم . – ولقد صدق الله تعالي حين قال له: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (5)} [ الضحي ] ؛ سوف يعطيك ربُّك فى الدنيا من التأييد والنصرة والظفر على الأعداء وكثرة الأتباع وعلو دين الله فى الأرض وكماله ودخول الناس فيه أفواجاً ،

وجعل أمة محمدٍ خير أمة أخرجت للناس ؛ ومكَّن في الأرض دينه الذي ارتضاه ؛ … وأرضاه – صلي الله عليه وسلم- فى الدنيا ،

أنه كلما ذُكِرَ الله عزَّ وجلَّ ذُكِرَ رسوله : ( أشهد أن لا إله ألا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) ؛ هذا بجانب ما ذكر من إرضاءات حدثت له فى شهر شعبان ،

وإرضاءات وفضائل لا يتسع المقام لذكرها هاهنا لأنه تعالي قال له : { وَكانَ فضلُ اللهِ عليكَ عظيما } [ النساء:113 ] .

– ولسوف يرضيه – صلي الله عليه وسلم- فى الأخرة من الكرامة والمنزلة العالية الرفيعة والمقام المحمود والشفاعة فى أمته ،

فأعطاه من الشفاعات خمس أعلاها الشفاعة العظمي يوم العرض ، وشفاعتين لأهل الجنة ، وشفاعتين لأهل النار؛

وأنه لن يبقى أحدٌ من أمته من أهل التوحيد فى النار ؛ كما جاء فى الحديث قال – صلي الله عليه وسلم- : ( لكل نبىٍّ دعوةٌ مُستجابة ، فتعجل كل نبىٍّ دعوته ،

وإنِّى خبأتُ دعوتى شفاعتى لأمتى يوم القيامة ) ؛ فهو الذي بكي حين قرأ قول الله : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ۖ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) } [ إبراهيم ] ، وقوله تعالي : { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [ المائدة ] ؛ وقال : أمتي أمتي ، فقال الله : يا جبريل ، اذهب إلي محمد – وربُّك أعلم – فسَلْهُ ما يُبكيك ؟ فأتاه جبريل فسأله ، فأخبره رسول الله بما قال – وهو أعلم – ، فقال الله : يا جبريل اذهب إلي محمد فقل : ” إنَّا سنرضيك فى أمتك ولا نسوءُك ” . ؛ ومن جملة رضي الله تعالي عنه – صلي الله عليه وسلم- أنه سوف يعطيه الكوثر { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} وهو نهرٌ في الجنة حافتاه ذهبٍ وفضةٍ يجري على الدُّر والياقوت ،

ماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل ؛ عليه دُرٌّ مجوفٍ آنيته كعددِ النجوم ؛ يَصبُّ فى الحوض الذي يسقي منه أهل الإيمان من أمته ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً . … فما أطيبك يا حبيبي يا رسول الله ، طبت حيا وطبت ميتا ، رضي الله عنك وأرضاك ، ومن سار علي هداك … وبارك اللهم لنا فى شعبان وبلغنا رمضان غير فاتنين ولا مفتونين … آمين يارب العالمين . – بقلم الداعية الإسلامية: م / بهيرة خيرالله – بتاريخ ٢٣ فبراير ٢٠٢٤ م – الموافق ١٣ شعبان ١٤٤٥ هجرية